jeudi 18 janvier 2018

بحث في مادة القانون المدني المعمق

:مقــــــــــدمة
       تحتل نظرية الالتزام مكانة هامة في علم القانون، بل يمكن القول دون مبالغة أنها تحتل أهم مكانة، فهي من القانون المدني، بل و من القانون عامة، و بمثابة العمود الفقري من الجسم، كذلك فإن هذه النظرية تحتل مكانة هامة من الناحية العملية، نظرا لاستناد أحكامها إلى العقل و المنطق، فكثير من الحلول التي تصفها هذه النظرية يمكن أن تستخلص بالتفكير السليم للفرد العادي، وإذا كان الالتزام يشكل نظرية، فمن المسلم به أن يستند واضعوها ومبلوروها على خلفية تعتبر الإطار المرجعي لأفكارهم، والتي قد تكون إما اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية أو أدبية، حيث أن العوامل الأدبية/المعنوية في نظرية الالتزام تقتضي بأن الغش يفسد العقود، و أيضا عدم التعسف في استعمال الحق، و المبدأ القاضي بأنه لا يجوز الاتفاق على ما يخالف النظام العام و الآداب العامة، كل هذه النظريات متشبعة بالروح الأدبية التي تقوم على أساس معنوي، كذلك فإن الالتزامات الطبيعية و الالتزام بالتعويض عن العمل الضار، و التزامات الجوار و التزامات أفراد الأسرة بعضهم نحو بعض تنبع كلها من اعتبارات مستمدة من الأخلاق الحميدة و الآداب العامة، كلها التزامات يعترف بها القانون ويضع لها نوع من الجزاء بحيث تمتزج المثل الأدبية بالقواعد القانونية و تصبح شيئا واحدا.
       وإذا كانت نظرية الالتزام هي محور تنظيم القانون المدني، خاصة بمقتضى قانون الالتزامات والعقود،
  هذا القانون الذي يحكم مختلف المعاملات ذات الطابع المالي التي تنشأ بين الأفراد داخل المجتمع، فإن            الجانب الاقتصادي يعتبر من بين الخلفيات التي ترتكز عليها نظرية الالتزام، ليس هذا فقط بل كذلك الشق الاجتماعي من منطلق أن المجتمع هو الوسط الذي تنشأ فيه هذه المعاملات، ولا يفوتنا التنصيص على التطورات التكنولوجية التي لم يجد هذا القانون بدا من أخذها بعين الاعتبار في جعل قواعده القانونية مواكبة له، فما هي إذا، تجليات و مظاهر تأثير العوامل المعنوية على نظرية الالتزام؟ و بعبارة أخرى، هل كان للعامل المعنوي وقع على نظرية الالتزام؟ و هل استطاعت العوامل المعنوية أن تأثر فعلا في الالتزام مند نشوئه و إلى غاية انقضائه؟ و ما هي مظاهر هذا التأثير على ضوء التطورات الاقتصادية والاجتماعية والتكنولوجية؟
        و على هذا الأساس سنحاول تسليط الضوء على بعض النقط المرتبطة بهذه التساؤلات، من خلال تصميم الموضوع وفق التقسيم الآتي:  

المبحث الأول: تجليات تأثير العامل المعنوي على نظرية الالتزام

المبحث الثاني: مظاهر تأثير العامل المعنوي على نظرية الالتزام على ضوء التطورات الاقتصادية             والاجتماعية والتكنولوجية











المبحث الأول: تجليات تأثير العامل المعنوي على نظرية الالتزام
      تظهر تجليات العامل المعنوي في نظرية الالتزام مند نشوئه (المطلب الأول) إلى غاية انقضائه، وما بينهما قد تلحقه بعض الأوصاف التي تغير من ملامحه، و في الأحوال العادية فإن العلاقة تبقى محصورة بين الأطراف المنشئة للالتزام، إلا أن الوضع لا يكون كذلك في بعض الحالات الأخرى، إذ أن الالتزام قد ينتقل إلى الغير عن طريق الحوالات و الإنابات القانونية(المطلب الثاني).

المطلب الأول: مظاهر تأثير العامل المعنوي على إنشاء الالتزام
   يمكن أن تنشأ الالتزامات من خلال مصدرين أساسيين، أولهما الالتزامات ذات الطبيعة الإرادية أو ما تسمى بالتصرفات القانونية، و لعل أهمها تلك التي تنشأ بإرادتين و التي تصلح أساسا لإبراز دور العامل المعنوي عند إنشائها (الفقرة الأولى)، أما النوع الثاني فتسمى بالوقائع القانونية التي تتمثل في المسؤولية التقصيرية و الإثراء بلا سبب، لكن الحديث عن وقع العامل المعنوي في الوقائع القانونية تدفع لمعالجة تجلياته في ظل المسؤولية التقصيرية (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: وقع العامل المعنوي على العقد
     إن نظرية العقد تطورت عبر الزمان، مما أفرزت إمكانية اتخاذ تقسيمات جديدة لها من ناحية الطابع الحمائي الذي تقوم عليه، حيث يمكن تقسيمها إلى عقود تقليدية (أولا)، و إلى عقود حديثة يمكن أن يطلق عليها بعقود الاستهلاك (ثانيا)،   

أولا - من حيث العقود التقليدية:
         لكي ينشأ العقد صحيحا فإنه يتعين فيه أن يكون مستجمعا لعناصره الجوهرية التي يقوم عليها، فهو بمثابة البناء الذي لابد له من أركان يؤسس عليها، و قد أشار المشرع المغربي لهذه الأركان في الفصل الثاني من ق.ل.ع، و إذا ما نظرنا في تلك الأركان يمكن القول أنها جاءت لحماية الطرف الأخر المقبل على العملية التعاقدية، حيث تعتبر كصمام أمان له تحميه من كل ما من شأنه أن يزعزع العلاقة التعاقدية، بغية تحقيق نوع من التوازن المفترض، و على هذا الأساس يلزم لصحة التراضي كركن في العقد أن يكون المتعاقد أهلا للالتزام، و يتحقق ذلك باستكماله السن القانوني الذي حدده المشرع كسقف للرشد، بشرط أن يكون ذلك موازيا لاكتمال القوى العقلية لهذا الفرد أثناء التعاقد.
     فالمشرع المغربي اعتبر أن تصرفات عديم الأهلية  تكون باطلة بطلانا مطلقا و لا تنتج أي إثر، و قد حددت المادة217  و المادة 224 من مدونة الأسرة هذا الحكم، بينما ناقص الأهلية  تكون تصرفاته تخضع للأحكام المنصوص عليها في المادة 225 من مدونة الأسرة، عبر نفاد التصرفات النافعة نفعا محضا و بطلان الضارة منها، أما تلك المتأرجحة بين النفع و الضرر فالأصل فيها الجواز إن جلبت المصلحة، و الإبطال بطلب من نائبه إن كانت في مصلحة من تعاقد مع ناقص الأهلية، فهاته الأحكام العامة للتعاقد تعكس ما مدى الطابع الحمائي الذي بنيت عليه لحماية الطرف الضعيف في العلاقة التعاقدية.
    و لما كان التعبير عن الإرادة يتعين فيه أن يكون صادرا عمن هو أهل لإجراء التصرف القانوني، فإن هذا التعبير لا يعتد به إلا إذا كان نابعا عن إرادة حرة غير مدفوعة إلى إبرام الالتزام، تحت وطأة الإكراه أو التدليس أو نتيجة لغلط أو غبن استغلالي، و هو ما جعل كل التشريعات تتدخل لحماية الأطراف الذين تهتز إرادتهم و تصبح في وضعية معيبة لحمايتها، فتقرر إبطال العقد إذا كان منشئ على عيب أصاب إرادة أحد أطرافه، و لما كانت المصلحة المحمية في حالة الإبطال تقتصر على الطرف المضرور دون سواه، فإن حق التمسك بالإبطال سيكون من نصيب من تقرر الإبطال لمصلحته، من ثم فحماية التراضي هو وسيلة لفرض العدالة العقدية.
     و تظهر تجليات العامل المعنوي أيضا، من خلال ما نص عليه المشرع المغربي في الفصل 51 من ق.ل.ع أنه :" الخوف الناشئ عن الاحترام لا يخول الإبطال إلا إذا انضمت إليه تهديدات جسيمة أو أفعال مادية"، و بالتالي فإن حالة الخشية الأدبية لا يعتد بها إلا إذا انضمت إليها عناصر مادية تفيد الضغط و الإجبار، فإن هذه الخشية المقرونة بالضغط تتحول إلى إكراه حقيقي يخول للمضرور إمكانية المطالبة بإبطال التصرف.
          كما يعد شرط المشروعية في المحل من أهم الشروط التي يتعين توافرها فيه، و التي ترتبط ارتباطا وثيقا بعدم مخالفة قواعد النظام العام سواء كانت قانونية أو اقتصادية أو اجتماعية، و ما يقال عن النظام العام يقال أيضا عن و الآداب العامة ، حيث يتعين في المحل ألا يكون مخالفا للآداب والأخلاق الحميدة التي يتوجب على عامة الناس احترامها و إلا كان العقد باطلا، و ذهب الفقه الفرنسي إلى أن بطلان العقد نتيجة عدم مشروعية المحل، يجد مبرره في ضرورة تحقيق المصلحة العامة، كما يتضح ذلك من مقتضيات الفصل السادس من القانون المدني الفرنسي، الذي نص على ما يلي:" لا يسوغ للاتفاقات الخاصة أن تخالف القوانين التي هي من النظام العام، و الأخلاق الحميدة"، و المقصود بمشروعية المحل، أن يكون محل العقد غير مخالف للنظام العام و الأخلاق الحميدة أو الآداب العامة. 
  كما نص المشرع في الفصل 62 من ق.ل.ع على ما يلي:" الالتزام الذي لا سبب له أو المبني على سبب غير مشروع يعد كأن لم يكن و يكون السبب  غير مشروع إذا كان مخالف للأخلاق الحميدة أو النظام العام أو القانون"، فالمشرع المغربي كباقي التشريعات الأخرى ربط بين ركن السبب والمشروعية،  و تنص الفقرة الثانية من الفصل 306 من ق.ل.ع على ما يلي:" الالتزام يكون باطلا بقوة القانون: -1إذا كان ينقصه أحد الأركان اللازمة لقيامه، ....." و عليه فإن السبب غير المتوفر على شرط المشروعية يكون باطلا، و لما كان البطلان في أصله يتقرر بهدف حماية مصلحة عامة تهم الجميع، فإن التمسك بالبطلان لا يقتصر على المتعاقد المتضرر فقط، و إنما يحق إثارة هذا البطلان من طرف الغير الذي لم يكن طرفا في العقد، كما يحق للمحكمة أن تثيره بصورة تلقائية و لم يطلبه الطرف المضرور، و يرجع السبب في تمديد حلقة الأشخاص الذين يحق لهم إثارة البطلان، إلى كون هذا الأخير له علاقة مباشرة بالنظام العام و المصلحة العامة.  
    فكل هذه المقتضيات و غيرها و التي جاءت بها التشريعات المدنية عبر نظرية البطلان الإبطال للالتزامات التي يختل معها توازن المشروعية،  تصب في خندق وحيد ذو اعتبارات أخلاقية و مطالب معنوية، تعكس عدم صحة الاتفاق الذي يخالف النظام العام و الآداب العامة و أيضا الأخلاق الحميدة.

ثانيا- من حيث عقود الاستهلاك:
     إن هاجس الرغبة في حماية المستهلك هو الذي دفع المشرع بمقتضى القانون رقم 31.08 القاضي بتحديد تدابير لحماية المستهلك، إلى جعل التعاقد غير لازم للمستهلك في حدود الإمكانيات التي تنظم هذا الإجراء، و إخضاع بعض العلاقات التعاقدية لتنظيمات آمرة تفرضها المصلحة العامة، حماية منها للطرف الضعيف في بعض العقود، حيث منح المشرع للمستهلك كطرف ضعيف في العلاقة التعاقدية خيار الرجوع خلال فترة زمنية محددة حددتها المادة 36 من القانون المذكور، و تمكين المستهلك من مهلة للتفكير، و يجد هذا الإجراء أساسه في تقرير المزيد من الضمانات للمستهلك، باعتباره  الطرف الضعيف في العلاقة التعاقدية، عبر تمكين المستهلك من مهلة للرجوع بهدف تعزيز حماية رضا المستهلك، و بالنظر لأهمية هذا الالتزام فإن المشرع المغربي قد أخد بخيار الرجوع بمقتضى القانون رقم31.08  و إن كان قد اقتصر على بعض العقود.
     فالمشرع المغربي بإقراره لهذه المنظومة القانونية الحمائية، تجاوز حدود الحماية التقليدية المنصوص عليها في ق. ل.ع، مستجيبا في ذلك للمعايير و التوجهات المتعارف عليها دوليا، و التي تعاملت مع المستهلك كطرف ضعيف يحتاج لحماية استثنائية تقيه من تعسفات و تجاوزات المهنيين، عبر التزام المهني بإعلام المستهلك و تبصيره، حيث أن هذا الالتزام لم يعد واجب أخلاقي عام يساعد على إتمام العقد في ظروف حسنة، بل أصبح في ظل التطورات التشريعية الحالية بمثابة التزام قانوني أساسي مشمول بجزاءات و عقوبات مالية، كفيلة بردع كل الخروقات المتعلقة بعدم احترام المهني لواجب الإعلام في مرحلة ما قبل و ما بعد العقد، كل هذه الضمانات التي جاء بها المشرع لحماية فئة المستهلكين، كانت استجابة لمطالب معنوية أخلاقية كونية تهدف إلى حماية الطرف الضعيف المتعاقد. 
  و قد بدأ القضاء المغربي فعلا في تطبيق المقتضيات الخاصة بالالتزام بالإعلام بمجرد صدور قانون حماية المستهلك، و يمكن الإشارة إلى القرار الصادر عن محكمة النقض المغربية بتاريخ 25 أكتوبر 2011، حيث ألزمت هذه الأخيرة الطبيب بإعلام المريض و تبصيره بكافة الأخطار و العواقب التي قد تنتج عن العملية الجراحية و مدى احتمال نجاحها من عدمه و نسبة ذلك.
كما يعد القانون الفرنسي الصادر في 1978/01/10 المتعلق بحماية و إعلام المستهلك، بمثابة النواة الأولى التي أدت إلى توالد الكثير من النصوص التشريعية الهادفة إلى حماية المستهلك، كما تعتبر مدونة الاستهلاك الفرنسية الصادرة بتاريخ 26 يوليوز 1993 أهم قانون منظم لحماية المستهلك، و بمقتضى القانون المؤرخ في فاتح فبراير 1995 المتعلق بالشروط التعسفية في مجال العقود، كييف المشرع الفرنسي نصوصه التشريعية مع توجهات المفوضية الأوربية المتعلقة بالشروط التعسفية الواردة في القانون المؤرج في 1993/04/05 .
     و قد منح المشرع المغربي للمحكمة إمكانية التخفيف من حدة الشروط التعسفية في العقود الاستهلاكية، كما أن منع الإشهار الكاذب و المضلل للمستهلك بمقتضى المادة 21 من القانون رقم31.08  جاء لحماية رضا المستهلك، مما يؤكد حرص المشرع على محاربة الإشهار الكاذب، من هنا نستشف أن الفلسفة العامة لجل القوانين التي جاء بها التشريع لحماية المستهلك، ترمي بالأساس إلى حماية الطرف الضعيف في العلاقة التعاقدية، و هي مطالب كونية ذات خلفيات أدبية وأخلاقية بالخصوص.

الفقرة الثانية: تجليات العامل المعنوي في مجال المسؤولية التقصيرية
إن الالتزام القانوني بتعويض الضرر القائم على أساس الخطأ في مجال المسؤولية، يعتبر بمثابة التزام معنوي بعدم الإضرار بالغير( أولا )، كما أن نظرية عدم التعسف في استعمال الحق جاءت نتيجة مطالب معنوية أيضا تهدف إلى تحقيق نوع من التوازن بين المصالح الخاصة( ثانيا ).


أولا- الالتزام القانوني بتعويض الضرر:
متى اكتملت عناصر المسؤولية وجب التعويض الجابر للضرر و محو آثاره على قدر الإمكان، و حق المتضرر في التعويض إنما ينشأ عن العمل غير المشروع الذي اقترفه المسؤول، و من ثم يترتب في ذمته هذا الالتزام بالتعويض من وقت اكتمال أركان المسؤولية، فالضرر يعتبر أساس المسؤولية المدنية عموما و المسؤولية التقصيرية على وجه الخصوص، أي يعتبر عنصر الضرر أساسيا في جميع أنواع المسؤولية المدنية، كما أن الضرر القابل للتعويض قد يكون ماديا أو معنويا، حيث أن غالبية التشريعات المدنية المعاصرة - القانون المدني المصري، قانون الموجبات و العقود اللبناني، القانون المدني الأردني- أصبحت تسوي بين الضرر المادي و المعنوي من حيث ضرورة التعويض عنها، من ذلك ق.ل.ع المغربي الذي أقر هذا المبدأ في الفصلين 77 و78.
     فالضرر المعنوي الذي يتحمله الشخص بالارتداد في حالة وفاة الضحية المباشر، يخوله حق الاستفادة من رفع الدعوى، حيث أن حق المطالبة بالتعويض يعتبر أمرا غير قابل للمناقشة، غير أن ذلك يثير على المستوى العملي بعض الإشكاليات، من قبيل كون الأشخاص الذين يتألمون في أحاسيسهم هم أكثر بكثير من أولئك الذين تم المساس بمصالحهم المالية، فالصديق العزيز يمكن أن يتألم أكثر من الأب و الأم بذلك، فإن مسألة تحديد أصحاب الحقوق تعتبر أمرا لازما، و قد قامت محكمة النقض الفرنسية مند مدة، لاسيما في قرارها الصادر عن غرفها المجتمعة بتاريخ 27 فبراير 1970، بتحديد معيار يتمثل في ضرورة وجود علاقة أبوة أو مصاهرة بين الضحية المباشر و الضحية بالارتداد، وعلى هذا الأساس فإن الالتزام القانوني بتعويض الضرر يعتبر بمثابة تعبير عن الالتزام المعنوي بعدم الإضرار بالغير.
   لكن هناك مجموعة من الشروط التي ينبغي أن يستجمعها الضرر من أجل تعويضه، و منها نجد الشرط القائم على أن يصيب الضرر مصلحة مشروعة للمتضرر، بحيث لا يمكن أن يكون الضرر محلا للتعويض إلا إذا مس مصلحة مشروعة، فإذا كانت المصلحة التي تم المساس بها غير مشروعة، كأن تكون مخالفة للنظام العام أو الآداب العامة، فإن عنصر الضرر غير موجود قانونا، و بالنظر لارتباط هذا الشرط بفكرة النظام العام و الأخلاق الحميدة، فإن مداه سيتغير من مجتمع لآخر، بحسب القيم السائدة في كل واحد منها، فقد اعتبر القضاء الفرنسي أن الضرر الذي لحق بالخليلة جراء وفاة خليلها بمثابة ضرر مشروع، ومن ثم أقر لها الحق في التعويض، أما بالنسبة للوضع في المغرب فإن القضاء رفض سماع دعوى تعويض الضرر الذي تتعرض له الخليلة جراء فقدانها لخليلها، على اعتبار أنه يصيب مصلحة غير مشروعة.
 و بالتالي فإن إقرار التشريعات بالتعويض عن الضرر المعنوي جاء استجابة لمطالب معنوية، و تكريسا للطابع الحمائي التي تقوم عليه مختلف القواعد القانونية المبنية على الأخلاق الحميدة و الآداب العامة وحماية النظام العام.

ثانيا- عدم التعسف في استعمال الحق:
    إن التعسف في استعمال الحق ما هو إلا مظهر من المظاهر التي يتجسد فيها الخطأ التقصيري، والتي يترتب عنها ضرورة إصلاح الضرر المترتب عن كل تعسف، و للتعسف في استعمال الحق أكثر من مظهر قانوني، سواء في الميدان المدني أو في ميادين أخرى، فيعتبر الشخص متعسفا في استعمال حقه إذا كان لا يقصد من وراء هذا الاستعمال إلا مجرد الإضرار بالغير، و قد أقر المشرع المغربي ذلك في الفصل 94 من ق.ل.ع، إذ أن المفهوم المخالف لهذا النص يدل على ترتيب المسؤولية على من يستعمل حقه بقصد الإضرار، و هكذا اعتبر القضاء تعسفا للمالك الذي استعمل حقه دون حيطة فنحرف بذلك عن السلوك المألوف للشخص العادي و أضر بالجار ضررا بليغا، و يكون استعمال الحق غير جائز في أحوال بينها الأستاذ الفصايلي الطيب.
     كما أكد الإعلان الفرنسي لحقوق الإنسان لسنة 1789 إلى أنه ليس من حق أي شخص أن يحدث ضررا للغير، و هو ما كرسته المادة 1382 من القانون المدني الفرنسي، و الفصل 77 من ق.ل.ع المغربي، و من مظاهره نجد التزام الجوار حيث تناوله المشرع المغربي في الفصليين 91 و 92من ق.ل.ع، و التي تتعلق بمضار الجوار أو الجيران، كما تناول المشرع المغربي العديد من الأحكام المتعلقة بمضار الجوار، فموضوع مضار الجوار حضي بعناية خاصة من قبل الفقه و القضاء، فبالرجوع للقضاء المغربي فقد صدر عن محكمة النقض المغربية بتاريخ 25 مارس  2014قرار ذهبت فيه إلى وجوب رفع الضرر الناتج عن بناء جدار في أرض خاضعة لتصميم التهيئة العمراني، و تقول القاعدة الشرعية القطعية أن لا ضرر و لا ضرار و لا يجوز الإضرار بنفس الغير أو ماله بدون وجه حق مشروع، و إذا حصل الضرر و رتب آثاره تعين إزالته رضاء أو قضاء و فقا للقاعدة الثابتة الضرر يزال، و هو ما صارت على نسقه محكمة النقض المغربية في قرار لها صدر بتاريخ 2 يوليوز2008، يقضي بضرورة الحسم في إزالة الضرر، كما تطرق المشرع المغربي للتعسف في قانون حرية الأسعار و المنافسة في المادة السابعة من القانون رقم 104.12 فيما سماه بالاستغلال التعسفي، وجاء في قرار لمحكمة الاستئناف التجارية بالدار البيضاء بعد نقضه وإحالته الصادر بتاريخ  2012/04/05 بأن فعل المنافسة غير المشروعة يستوجب الحكم بالتعويض لفائدة المتضرر من هذا الفعل، شريطة أن يتم إثبات هذا الضرر و مدى جسامته و تأثيره على نشاط المتضرر.
   كما تناول المشرع المغربي التعسف كمظهر من مظاهر الخطأ التقصيري في مجال الملكية الصناعية، بمناسبة تعرضه للمنافسة غير المشروعة، حيث خول للمتضرر من هذه الأعمال المطالبة بتوقفها أو الحصول على تعويض، طبقا للمادة 185 من القانون رقم 17.97.
  و على هذه الأساس يمكن القول أن هذه النظرية ظهرت و ترعرعت في أحضان التشريعات الوضعية، من خلال ضغط التيار المعنوي أو الأدبي المطالب بتحقيق جوا من التعايش السلمي المبني على تغليب النزعة الاجتماعية القائمة على التضامن و الأخلاق الحميدة.

المطلب الثاني: مظاهر تأثير العامل المعنوي على أحكام الالتزام
    إن القواعد التي تحكم الالتزام بعد وجوده تعد أكثر تجريدا من مصادره، ففيها يدرس الالتزام في ذاته مجردا من مصادره،  لكن في جوهره يظهر تأثير العوامل الأدبية و المعنوية عليه، و التي من خلالها تجعل للالتزام طريقا يهتدي إليها، سواء من حيث آثاره أو أوصافه (الفقرة الأولى)، أو من حيث انتقاله أو انقضائه (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: وقع العامل المعنوي على آثار و أوصاف الالتزام
           إن الاعتبارات الأخلاقية و مبدأ حسن النية نجدها أيضا في مختلف المراحل التي يمكن أن يمر منها الالتزام، سواء فيما يخص الوصف الذي يمكن أن يتخذه ( ثانيا)، أو من خلال الآثار التي يمكن أن تنتج عنه (أولا).
أولا - تجليات العامل المعنوي على آثار الالتزام:
   لا شك أن الأثر المباشر للالتزام هو وجوب تنفيذه، حيث أن الالتزام إذا ما نشأ أنتج آثره عبر تنفيذه، و يتم تنفيذ الالتزام بأداء موضوعه أي القيام بعمل أو الامتناع عنه أو إعطاء شيء، حيث إن الالتزام الملقى على عاتق المدين بتنفيذه ما هو إلا تطبيق للالتزام المعنوي القاضي بضرورة احترام عهده أو التعبير الصادر عنه، كما تعد الالتزامات الطبيعية من قبيل الالتزامات الأدبية التي تفرضها مطالب معنوية أولا، ثم يتدخل فيها القانون بقدر محدود فيعترف بها باعتبارها مديونية بلا مسؤولية و يسلم فيها التنفيذ الاختياري دون الجبري.
ويعتبر مبدأ حسن النية في تنفيذ التعهدات و الالتزامات من المبادئ الأساسية في القانون، و مظهر من مظاهر تأثير العامل المعنوي على آثار الالتزام، كما ذلك أن تنفيذ العقد بحسن نية و تطبيقه بنوع من الوفاء La Loyauté والتعاون La Coopération، الأمر الذي لن يؤدي إلى أي نزاع من شأنه أن يفسخ العقد  و يظهر هذا المبدأ جليا في البيوعات العقارية، حيث أن مكتسب العقار ذو النية الحسنة لا يتأثر بالإبطال الذي قد يطال التصرف المنشأ للحق و الذي اكتسبه على أساسه العقار، فحسن النية يقتضي وجوب تعاون المدين و الدائن في تنفيذ الالتزام، فلا يفرض حسن النية على المدين فقط في تنفيذ التزامه بل و على الدائن في استعمال حقه أيضا،  و تقتضي حسن النية أن ينفد الالتزام بالطريقة التي تفرضها الأمانة و النزاهة في المعاملات، و لقد قامت فكرة حسن النية في تنفيذ الالتزام بدور مماثل لدور النظام العام و الآداب العامة و الأخلاق الحميدة،  و قد نص المشرع المغربي في الفصل231  من ق.ل.ع على أن:" كل تعهد يجب تنفيذه بحسن نية"، الذي يحث على ضرورة تنفيذ العقود بحسن النية، وهو لا يلزم بما وقع التصريح به فحسب، بل أيضا بكل ملحقات الالتزام التي يقررها القانون أو العرف أو الإنصاف وفقا لما تقتضيه طبيعته، و يفرض حسن النية في تنفيذ العقد أن على كل متعاقد أن يتحرى الدقة و التوازن في حفظ الرابطة القانونية و أن تسود الاستقامة و حسن السلوك في المعاملات، و كل خروج عما يفرضه المنطق السليم يعتبر سوء النية. 
   إن إقرار المشرع المغربي مجموعة من القواعد القانونية الرامية إلى حماية الطرف ذو النية الحسنة في العلاقة التعاقدية، نابع من حماية الجهة التي تقيم تعهداتها على أسس نبيلة مبنية على النزاهة و الصدق، كما أن المشرع أيضا نص على أن مبدأ حسن النية في المعاملات هو الأصل، لاعتبارات جمة منها ما يتعلق بتشجيع الأفراد على الدخول في العلاقات التعاقدية، و منها ما يتعلق بأن سلوك الأفراد في أصله سلوك سوي مبني على الثقة و النزاهة و حسن النية، و الاستثناء هو الخروج عن هذا المبدأ، و هو ما أقرته التشريعات  باعتبار أن حسن النية يفترض دائما و على من يدعي نقيضه أن يثبت ذلك، و هو ما نص عليه المشرع المغربي في المادة 477 من ق.ل.ع و التي جاء فيها ما يلي:"حسن النية يفترض دائما ما دام العكس لم يثبت"، و من تم فإن الغير حسن النية يحق له التمسك بالعقد الحقيقي و يطالب بما ينتج عنه من الحقوق و اعتبار العقد الصوري غير موجود، و عليه فإن المشرع تدخل لحماية الغير أيضا ذو النية الحسنة في العقود الصورية.
       
ثانيا: تجليات العامل المعنوي على أوصاف الالتزام
     الأصل أن ينشأ الالتزام مستحق الأداء بين شخصين بمجرد أن تحقق أركانه و شروطه، غير أن الالتزام قد ينشأ باستثناء من ذلك الأصل موصوفا بوصف من الأوصاف يعدل نظامه القانوني، والأوصاف التي تلحق بالالتزام، إما أن تمس وجوده أو نفاذه، و تظهر تجليات العامل المعنوي على الخصوص في الشرط، حيث يجري سياق الفصل 108 من ق.ل.ع على ما يلي:" كل شرط يقوم على شيء مستحيل أو مخالف للأخلاق الحميدة أو للقانون، يكون باطلا و يؤدي إلى بطلان الالتزام الذي يعلق عليه، و لا يصير الالتزام صحيحا إذا أصبح الشرط ممكنا فيما بعد"، و عليه فالقيام الشرط على وجه سليم يجب أن يكون مشروعا، أي غير مخالف للنظام العام و الآداب.
    أما القانون المدني الفرنسي فقد نصت المادة1172 على أن:" الشرط المستحيل أو المخالف للنظام العام أو الآداب العامة أو الذي يحرمه القانون باطل و يترتب عليه بطلان الالتزام الذي يعتمد عليه"، كما نص المشرع المغربي في الفصل 123 من ق.ل.ع على أن:" تحقق الشرط لا ينتج أي أثر، إذا حصل بتدليس ممن كانت له فيه مصلحة"، و بذلك جعل المشرع الشرط القائم على أعمال احتياله كأنه لم يكون، حماية منه للطرف المتضرر من عملية التدليس، و تكريسا للمطلب المعنوية الذي يحث على قيام الروابط القانونية على أسس صحيحة غير مخالفة للآداب العامة و الأخلاق الحميدة.
   كما نجد المشرع المصري ينص في المادة 149 من القانون المدني المصري على أنه:" إذا تم العقد بطريق الإذعان و كان قد تضمن شروطا تعسفية جاز للقاضي أن يعدل هذا الشرط أو أن يعفي الطرف المذعن منها و ذلك وفقا لما تقضي به العدالة، و يقع باطلا كل اتفاق على خلاف ذلك"، و بذلك فإن التشريعات تدخلت و منحت القضاء إمكانية محو أثار الشرط التعسفي،  كما صدر عن المجلس الأعلى قرار مبدئي بتاريخ 10أبريل1991 الذي خول فيه لمحكمة الموضوع إمكانية تعديل الشرط الجزائي إذا كان مبالغا فيه، الأمر الذي كان له تأثير إيجابي في حمل المشرع على مراجعة مضمون الفصل 264 من ق.ل.ع بإضافة فقرة ثانية تمكن القاضي من ممارسة هذا الدور،
    ومما يمكن إضافته في هذا الشق المتعلق بتأثير العامل المعنوي على أوصاف الالتزام، هو أنه إذا كان المشرع المغربي قد جعل التضامن بين المدينين لا يفترض في المادة المدنية اللهم إلا إذا نتج صراحة من السند المنشئ للالتزام أو القانون أو كان النتيجة الحتمية لطبيعة المعاملة ، فقد فرضه بقوة القانون في الالتزامات التجارية بمقتضى الفصل 165 من ق. ل. ع. و الفصل 335 من مدونة التجارة المغربية، وذلك من أجل دعم مبدأ الثقة والائتمان التجاريين، استجابة للمطلب المعنوي في نفس الدائن، وذلك بتمكينه من استيفاء دينه عند الحلول لتميز المجال التجاري بالسرعة في المعاملات، فضلا عن تيسير أمور الوفاء بالنسبة للمدين الذي قد لا تكون ذمته المالية مليئة كفاية لتسديد مبلغ الدين .
    أما فيما يتعلق بالأجل، يمكن القول على أن هذا الوصف للالتزام يمكن أن ينشأ بمقتضى الاتفاق، حيث أن هذه الوصف ما هو إلا تطبيق لذلك الواجب الأخلاقي، الذي يؤسس في ضمير الدائن من أجل تيسير عملية الوفاء على المدين أو المدنين و التخفيف عليهم من حدته، حيث يستوي أن يكون الدائن هو المبادر إلى إنشاء الوصف أو قابلا له. 
  
الفقرة الثانية: وقع العامل المعنوي على انتقال أو انقضاء الالتزام
  سنحاول في هذه الفقرة استحضار بعض العناصر التي تخص انتقال الالتزام (أولا) ثم انقضائه (ثانيا)، و التي لها أبعاد معنوية تقوم عليها.

أولا - مظاهر العامل المعنوي على انتقال الالتزام:
اقتصر المشرع المغربي على البحث بانتقال الحق دون الدين، و نظم كل ما يخص حوالة الحق وحدها في المواد من 189 إلى 227، حيث عرض للانتقال بوجه عام، ثم لحوالة حقوق التركة، ثم للحلول والإنابة،
    إن الحوالة من حيث الأصل تخضع لمبادئ التعاقد العامة سواء من حيث أركانها أم من حيث إثباتها، فيكفي إذن أن يحصل تراضي المحيل و المحال له، و أن يكون كل منهما متمتعا بأهلية التصرف، و أن يكون محل الحوالة مشروعا، و أن يكون السبب الذي تعمل عليه الحوالة غير مخالف للقانون أو للنظام العام أو الآداب العامة، إن مشروعية كل من المحل و السبب في الحوالة نابع من قاعدة فقهية تعتبر أن كل من هو معدوم شرعا معدوم حسا، و عليه فإن قيام الحوالة على أسس مخالفة للنظام العام و الآداب العامة و الأخلاق الحميدة يجعلها عديمة الأثر، كما أن حوالة الحق عندما يقبل فيها الشخص بالحلول محل الدائن في استفاء الدين بدون مقابل فما ذلك إلى تعبير عن رغبة المحال له في وضع شيء من اليسر في رابطة المديونية و هو إجراء نابع من وازع أخلاقي.
   كما نظم المشرع المغربي الإنابة في المواد من 217 إلى 227، و يظهر تأثير العامل المعنوي أكثر جلاء بالنسبة لهذا النوع من أنواع انتقال الالتزام في عقد الإنابة بين الأطباء، حيث أن الطبيب عندما يعمد إلى تحويل التزامه إلى طبيب آخر، فهذا نابع من الثقة التي يضعها في الطبيب الآخر الذي يعد زميلا له، وإن كان المشرع منح إمكانية أن يكون الطبيب المنيب طالبا في الطب، فإنه وضع شروطا يستلزم احترامها وفقا لما جاء به القانون رقم 94-10 المنظم لمهنة الطب، حيث أن المشرع تدخل بفرض تلك الشروط القانونية الواجب توافرها في  الطبيب الطالب، إيمانا منه لما قد يتسبب به ذلك الطبيب الطالب، و أيضا ما يمكن أن تخلفه تلك الصفة من قلق و عدم الاطمئنان لكافة مرضى الطبيب المنوب عنه، لدى عمد المشرع المغربي على فرض تلك الشروط لطمئنت المتعاملين معه و منحهم مزيدا من الثقة و هو ما يكرس لنا المطلب المعنوي الغالب في هذا النوع من الإنابة.

ثانيا -  مظاهر العامل المعنوي على انقضاء الالتزام:
      إن مصير الالتزام حتما الزوال، و تتعدد الطرق التي ينقضي بها الالتزام، لكن الوفاء يعد مرآة لتنفيذ الالتزام بحسن النية، و الذي يعكس ذلك الهاجس المعنوي و الأخلاقي في تنفيذ التعهدات الملقاة على عاتقه، لكن للاعتداد به يستوجب توافر شروطه، و لعل أهمها أن يحمل الوفاء على سبب مشروع شأنه في ذلك شأن سائر التصرفات القانونية، و سبب الوفاء هو قضاء الدين العالق في ذمة المدين، فإذا وفى المسلم دينه المتمثل في فوائد عن قرض مدني لدائن مسلم، يعد ذلك الوفاء باطل لأن القانون يحرمه، و يجوز للمدين استرداد ما دفعه، حيث أن هذا الوفاء لا أثر له لقيامه على سبب غير مشروع و مخالف للنظام العام و الأخلاق العامة.
      كما نجد أن المشرع أورد استثناء خاص بالطرف الموفي للدين، حيث يقع الوفاء صحيحا و مبرئا لذمة المدين رغم أن الموفي له هو شخص من الغير لا صفة له لاستفاء الدين، إذا تم الوفاء بحسن نية لشخص ظاهر بمظهر الدائن، و أبرز مثال على هذه الحالة الوفاء للوارث الظاهر، بمقتضى المادة 240 من ق.ل.ع:" يكون صحيحا الوفاء الحاصل بحسن نية لمن يحوز الحق كالوارث الظاهر، و لو استحق منه فيها بعد".
     و تظهر تجليات تأثير العامل المعنوي على أحكام الالتزام جليا فانقضائه، و بالخصوص في الإقالة الاختيارية و الإبراء الاختياري، فبالنسبة للإقالة الاختيارية يمكن القول بأن إنهاء المتعاقدين للرابطة القانونية التي تجمع بينهما بمحض إرادتهما، دليل على انعدام إحساسهما بتلك المنفعة المجنية من بقاء الرابطة قائمة بينهما.
     و إذا ما عرجنا على الإبراء الاختياري، فما يمكن أن يقال عن حوالة الحق بدون عوض، يمكن أن يقال أيضا عن هذا السبب من أسباب انقضاء الالتزام لاشتراكهما في خاصية التبرع، فالدائن بتخليه عن حقه و تنازله عنه عن طريق الإبراء يكون قد حقق مقصد أخلاقي إنساني و الذي قد يقصد منه التقرب إلى لله ، و ذلك رأفة بالمدين. 
المبحث الثاني: مظاهر تأثير العامل المعنوي على نظرية الالتزام على ضوء التطورات الاقتصادية والاجتماعية والتكنولوجية:
            لا يمكن نكران بأن المغرب أصبح يعيش مخاضا تشريعيا مهما خلال العقد ونصف الأخير، من أهمه ذلك الذي مس الجانب التعاقدي، خاصة بسبب التطورات التكنولوجية الحديثة التي جعلت من العقد يتجاوز طرق إبرامه الكلاسيكية إلى أخرى إلكترونية ( المطلب الأول) وتلك المتعلقة بقطاع العقار بغية مواجهة أزمة السكن التي يشهدها هذا البلد ( المطلب الثاني) مما يجعلنا نتساءل حول مدى تأثر وتأثير العامل المعنوي على الالتزام في ظل هذه التحولات الحديثة؟

المطلب الأول: العنصر المعنوي والتعاقد الالكتروني، أي وقع؟
    أمام الثورة المعلوماتية التي يشهدها العالم في خضم ما أصبح يصطلح عليه " بالعولمة "، ظهرت مجموعة من الوسائل الإلكترونية التي أضحت تيسر بشكل كبير، جملة من العمليات، سواء ما تعلق منها بالشق التواصلي، الترفيهي، بل حتى المهني، أدى ذلك إلى الزيادة من السرعة والدقة في استغلالها.   والمجال الذي لم يسلم من هذه التطور التكنولوجي هو مجال التجارة، فتولد ما يطلق عليه تسمية التجارة     على الخط Le Commerce en ligne التجارة الإلكترونية Le commerce électronique
وإذا كان الأصل في التجارة أنها تقوم على السرعة في إنشاء الالتزام وتنفيذه، فإن هذه السرعة ازدادت عندما أصبحت التجارة إلكترونية، الأمر الذي لن يقبل أن يتم التعاقد استنادا إلى الطريقة الكلاسيكية،
وإنما بواسطة عقد مبرم بطريقة إلكترونية().
ويمكن أن نلمس دور العامل المعنوي في تأثيره على الالتزام من منظورين اثنين، أحدهما إيجابي والآخر سلبي.

الفقرة الأولى : من جهة المبادرة إلى الالتزام:
    إن العقد المبرم بطريقة إلكترونية يمكن المتعاقد من إجراء أكبر قدر من المعاملات في أقصر وقت ممكن الأمر الذي قد يدر عليه بالربح الوفير دون إهدار الوقت والجهد والمال، وذلك لما تشكله هذه الطريقة في التعاقد من سرعة في ترويج وتبادل السلع والخدمات وإتمام صفقاتها دون الحاجة إلى تنقل الأطراف وتحملهم مشقة ومصاريف ذلك، خاصة إذا لم تجمعهم نفس الرقعة الجغرافية ().
واستجابة لهذا المطلب المعنوي، تدخل المشرع المغربي على غرار التشريعات التي سبقته دوليا() ووطنيا()، في إصدار القانون رقم 53.05 المتعلق بالتبادل الإلكتروني للمعطيات القانونية الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.07.129 بتاريخ 19 من ذي القعدة 1428 ( 30 نونبر 2007 )().
  وعليه، إن كان هذا المطلب المعنوي قد أثر على المشرع المغربي في إصدار هذا القانون لشيوع هذه الطريقة في التعاقد، فما تولد هذا التأثير إلا عن تلك التطورات التي عرفتها الساحة التكنولوجية.

الفقرة الثانية : من منظور التراجع عن الالتزام
     ومن منظور مغاير، لا يفوتنا التنصيص على أن إمكانية التعاقد بطريقة إلكترونية، قد تخلق نوعا من انعدام الأمن والخوف والقلق، قد يجعل الفرد يفكر مليا قبل الإقدام على التعاقد في هذا المجال، وعلى وجه الدقة إذا أخذنا نصب الأعين الخطر القائم أمام الانتشار المهول للجرائم الإلكترونية كما هو الحال بالنسبة للتدمير الناجم عن الفيروس () والقرصنة الإلكترونية وغيرها من الجرائم ().
   ومن وجهة نظر عقلية ونفسية، فإن الملتزم قد يفضل التعاقد بطريقة كلاسيكية مر على تنظيمها قانونيا أزيد من قرن من الزمن وذلك منذ سنة 1913 إلى يومنا هذا، إلى درجة أنه قد ترسخ في ذهنه تلك القواعد العامة التي قد توفره من كل ما من شأنه أن يهضم حقوقه، على أن يتعاقد بطريقة حديثة لم يفت على تنظيمها من الناحية القانونية سوى قرابة العقد من الزمن وذلك من سنة 2007 إلى اليوم، مما يسوغ معه القول، بأن إمكانية الشعور بالخوف والقلق، أكثر منه شعورا بالطمأنينة والأمن الذي قد يدفعه إلى التعاقد.
   وأخذا بعين الاعتبار رغبة الفرد في التعاقد بهذه الطريقة كما سبق وأشرنا في الفقرة السابقة وبكيفية مؤمنة، جاء المشرع المغربي في القانون رقم 53.05 ضمانات المدنية منها ما يتعلق بالتسوية ما بين المحرر الإلكتروني والورقي في الإثبات، زد على ذلك التوقيع الإلكتروني المؤمن عليه()، خاصة إذا كان المتعاقدان منضوين تحت إشراف ومراقبة الجهة الوسيطة التي تتولى تسيير خدمات المصادقة الإلكترونية()، وأخرى الجنائية وذلك من خلال توقيع العقوبات السالبة للحرية والغرامات المالية في حق كل من قد تسول له نفسه خرق هذه المقتضيات القانونية المتعلقة بالضمانات الممنوحة للمتعاقد بشأن التوقيع الإلكتروني والمصادقة عليه والتشفير، فضلا عن التدابير التي قد تقي الملتزم من كل انتهاك في هذا الشأن، زد على ذلك، الإجراءات الواجب اتخاذها من قبل السلطة الوطنية المختصة لمعاينة المخالفات المرتكبة في هذا المجال، طبقا لفصول الباب الثالث " العقوبات والتدابير الوقائية ومعاينة المخالفات " من القسم الثاني المتعلق بالنظام القانوني المطبق على التوقيع الإلكتروني المؤمن والتشفير والمصادقة الإلكترونية من القانون رقم 53.05. 
   ومما ينبغي الإشارة إليه في هذا الشأن، هو أنه بالرغم من إصدار المشرع لهذا القانون تحقيقا لهذه الحاجات المعنوية في نفس الفرد، وتنصيصه على الضمانات المدنية والجنائية التي أشرنا إليها، إلا أنه  أقد أقصى كل ما يتعلق بمدونة الأسرة والضمانات الشخصية والعينية من إمكانية التعاقد بشأنها بشكل إلكتروني، مراعاة منه لدرجة أهمية هاتين المسألتين بالنسبة للمتعاقد، خاصة الضمانات الشخصية والعينية في ظل خطورة الجرائم الإلكترونية والانتهاكات التي قد تؤدي إلى إهدار حقوق الدائن، وهذا يجلي لنا مدى تأثر المشرع المغربي عند فرضه لهذه الطريقة في الالتزام لمتطلبات الملتزم، وما تأثره بهذه المطالب المعنوية إلا عن تأثير التطورات التكنولوجية في هذا المجال. 
   غير أنه إذا أمكن الأخذ بهذا الطرح، فإنه يبقى حبيس الوضعية الراهنة، فالمسألة مسألة وقت فقط، فسرعان ما ستظهر وسائل حديثة في المجال الإلكتروني أكثر أمنا ستدفع المشرع للتدخل بإلحاق كل ما يتعلق بمدونة الأسرة والضمانات الشخصية والعينية إلى نطاق تطبيق هذا القانون ()، وما إجازته لهذا المقتضى إلا دليل على أن الوضعية القانونية للعقود المبرمة بطريقة إلكترونية قد أصبحت أكثر أمنا للالتزام بهذه الطريقة.    

المطلب الثاني: تأثير العامل المعنوي على الالتزام في المعاملات العقارية
                 ( بيع العقار في طور الإنجاز كنموذج ):
          في إطار الإصلاح الذي تشهده المنظومة التشريعية المغربية، يعتبر قطاع العقار من أهم القطاعات التي شملها هذا الإصلاح، فكلل تبعا لذلك، بإصدار جملة من القوانين العقارية الخاصة، من بينها ظهير 3 أكتوبر 2002 بمثابة قانون رقم 44.00 المتعلق ببيع العقار في طور الإنجاز
 ().La Vente d’immeuble en état future d’achèvement
   وإذا كان إصدار هذا القانون قد جاء من أجل إصلاح المنظومة القانونية للعقار في المغرب، فقد تحكمت في هذا الإصلاح عوامل اقتصادية واجتماعية ()، وهنا يقبع العنصر المعنوي في تأثيره على الالتزام، فكان لزاما أن نبحث هذا التأثير على المستويين الاجتماعي (الفقرة الأولى) والاقتصادي (الفقرة الثانية).


الفقرة الأولى: على المستوى الاجتماعي:
    يشكل السكن، إلى جانب العمل، النقل والترفيه، إحدى الوظائف الحيوية في كل من المجالين الحضري والقروي()، وفي إطار المخاض الكبير الذي عاشه هذا القطاع، أدى إلى حدوث أزمة على مستواه ().
      فعدم توفر الفرد على سكن لائق يصون كرامته، يؤثر بطريقة مباشرة على نفسيته، فتقل معها مردوديته في أداء وظائفه اليومية، لذلك، جاء القانون رقم 44.00 ليستجيب لهذا المطلب المعنوي الملح الذي ظهرت آثاره على أرض الواقع من خلال دور السكن العشوائية وغير اللائقة، وذلك بتنصيصه على جملة من الضمانات، من إمكانية تقييد العقد الابتدائي المبرم في محرر رسمي أو ثابت التاريخ في السجلات العقارية، تيسير عملية أداء الثمن على شكل أقساط تباعا لتقدم أشغال، وذلك مراعاة للمقدرة المالية للمشتري، فضلا عن ضرورة إنشاء ضمانة بنكية أو تأمين لفائدة هذا الأخير لاسترجاع أقساطه في حالة عدم تمكن البائع من تطبيق العقد.

الفقرة الثانية: على المستوى الاقتصادي:
      لقد أصبح للعقار قيمة اقتصادية كبيرة تقدر بمبالغ طائلة من الأموال، باعتباره الأرضية الصلبة لإنشاء المشروعات الهادفة، لأجل ذلك، فإن أغلب المستثمرين يسارعون إلى استثمار مدخراتهم في هذا القطاع، لما يدره الاستثمار في هذا المجال من ربح وفير.
ومما لا ينبغي إهمال ذكره في هذا الشأن، هو أن الاستثمار في هذا القطاع، يتطلب توفر ذمة مالية مليئة، والتي لا توجد لدى أغلب المستثمرين، فيلجأ المستثمر إلى الاقتراض من مؤسسات الائتمان كمصدر لتمويل مشروعه التي تأتي أرباحها من الفائدة التي تفرضها على المقترض، زد على ذلك الأرباح التي تجنيها مؤسسات التأمين في حالة إنشاء المستثمر تأمينات لصالح المستفيدين من أجل ضمان استرجاعهم لأقساطهم المدفوعة عند شرائهم للعقار وهو في طور الإنجاز تحوطا من عدم تمكن البائع من تطبيق العقد().
وأمام إمكانية تداول هذه الثروات استعدادا لكل من المستثمر، المستفيد، البنك ومؤسسة التأمين للالتزام، جاء قانون رقم 44.00  للاستجابة لمجمل هذه المطالب المعنوية التي كان مصدرها، الوضعية الاقتصادية الحديثة للعقار.





















      

خاتمة:
  
         ومما يمكن أن يتأسس انطلاقا من السالف ذكره، هو أن العامل المعنوي لا يقتصر على تلك المطالب الناجمة عن الإرادة فقط، بل كذلك عن كل ما يدخل في الجانب الحسي غير الملموس لذات الشخص الملتزم من كرامة ونزاهة وثقة وأخلاق، أي كل ما يعتبر من الأدبيات.
      وأثناء دراستنا لهذا الموضوع، جعلنا نطرح السؤال لماذا؟ ونجيب عليه، فلماذا ينيب المتعاقد الأصلي الغير للتعاقد مكانه؟ قد لا تكون ظروفه الشخصية تسمح له بالتعاقد بنفسه، فينيب غيره، لكن لماذا ينيب شخصا محددا ولا ينيب أحدا آخر، مما يمكن معه القول بأن إنابته لشخص بحد ذاته، ما هو إلا ناجم عن تلك الثقة التي يضعها فيه، ويمكن أن نلمس هذا العامل المعنوي في الالتزامات التضامنية، لماذا لم يعمم المشرع المغربي عدم افتراض التضامن بين المدينين على كل من الالتزامات المدنية والتجارية، وقصرها فقط على المدنية؟ فذلك راجع إلى حماية الثقة والائتمان الذي يعد ركيزة العمل التجاري، ولماذا ينيب الطبيب زميلا له أو طالبا لديه في إطار عقد النيابة بين الأطباء؟ فهذا كذلك راجع إلى الثقة التي يضعها الطبيب في زميله والطالب، ولماذا يحظر المشرع أن يكون السبب والمحل والشرط مخالفا للآداب والأخلاق الحميدة؟ فذلك راجع إلى ما يمكن أن يمس الجانب المعنوي للملتزم من ضرر فيخدش حياءه، إلى غير ذلك من الأسئلة.
    وبإجابتنا على هذه الأسئلة جعلنا نقف عند أصل وحقيقة مصدر المقتضيات القانونية المنظمة للالتزام، مما يسوغ معه القول بأن هذا الموضوع يدخل في فلسفة القانون التي تعتبر فرعا من فروع الإبستيمولوجيا.             






لائحة المراجع:
الكتب:
عبد القادر العرعاري، مصادر الالتزامات، الكتاب الأول، نظرية العقد، الطبعة الثالثة 2013، مطبعة دار الأمان الرباط.
عبد القادر العرعاري، مصادر الالتزامات، الكتاب الثاني، المسؤولية المدنية، الطبعة الثالثة 2014، مطبعة دار الأمان، الرباط.
عبد الرحمان الشرقاوي، القانون المدني، دراسة حديثة للنظرية العامة للالتزام على ضوء تأثيرها بالمفاهيم الجديدة للقانون الاقتصادي، الكتاب الأول، الجزء الأول التصرف القانوني، الطبعة الثالثة 2015.
عبد الرحمان الشرقاوي، القانون المدني، دراسة حديثة للنظرية العامة للالتزام على ضوء تأثيرها بالمفاهيم الجديدة للقانون الاقتصادي، الكتاب الأول، الجزء الثاني، الواقعة القانونية، الطبعة الأولى 2015.
الفصايلي الطيب، النظرية العامة للالتزام، الجزء الأول مصادر الالتزام، نشر البديع، الطبعة الثانية 1997.
المختار بن أحمد عطار، النظرية العامة للالتزامات في ضوء القانون المغربي، مطبعة النجاح الجديدة الدا البيضاء، 2011.
عبد الحق صافي، القانون المدني، الجزء الأول المصدر الإرادي للالتزامات، العقد، الكتاب الأول تكوين العقد، مطبعة دار النجاح الجديدة، 2000.
عبد الحق صافي، بيع العقار في طور الإنجاز، شرح وتحليل لنصوص القانون رقم 44.00، الطبعة الأولى، 2011.
نزهة الخلدي، الموجز في النظرية العامة للالتزامات، مصادر الالتزام الكتاب الأول، مطبعة تطوان، الطبعة الثانية 2014
عبد الكريم شهبون، الشافي في شرح قانون الالتزامات، آثار الالتزام، مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء، الطبعة الأولى 1999.
الأستاذ عبد السلام أحمد فيغو، الوجيز في أحكام الالتزام في قانون الالتزامات و العقود المغربي، مطبعة المعاريف الجديدة الرباط.
نورة غزلان الشنيوي، الوجيز في العقود التجارية، دراسة على المقتضيات التشريعية والممارسة العملية، مطبعة الورود، إنزكان، الطبعة الأولى، 2014.
محمد إبراهيم أبو الهيجاء، عقود التجارة الإلكترونية ( العقد الإلكتروني- إثبات العقد الإلكتروني- حماية المستهلكين- وسائل الدفع الإلكترونية- المنازعات العقدية وغير العقدية، الحكومة الإلكترونية- القانون الواجب التطبيق )، دار الثقافة للنشر والتوزيع، الأردن، الطبعة الثانية، 2011.
جميلة العماري، الوجيز في عقد البيع، دراسة على ضوء قانون رقم 53.05 المتعلق بتبادل المعطيات بشكل إلكتروني و قانون رقم 44.00 المتعلق ببيع العقار في طور الإنجاز، سليكي أخوين، طنجة، 2013.
العربي جنان، التعاقد الإلكتروني في القانون المغربي ( دراسة مقارنة ) ، في إطار سلسلة التنظيم القانوني للمعلوميات والإنترنيت، المطبعة والوراقة الوطنية، الداوديات- مراكش، الطبعة الأولى، 2010.
ادريس النوازلي، حماية عقود التجارة الإلكترونية في القانون المغربي، دراسة مقارنة، المطبعة والوراقة الوطنية، الطبعة الأولى، 2010.
ادريس الفاخوري، الحقوق العينية وفق القانون 39.08، منشورات مجلة الحقوق، سلسلة المعارف القانونية والقضائية، الإصدار الثاني عشر، دار النشر المعرفة، مطبعة المعارف الجديدة، طبعة 2014.
-Stéphany Porchy – Simon, Droit civil 2ème année, Les obligations, cours et travaux dirigés,
Dalloz, 8ème édition, 2014.

Rémy Cabrillac, Droit des obligations, Dalloz, 9ème édition, 2010.-

David – André Camous, L’essentiel du droit de l’urbanisme, Fiches de cours et- exercices corrigés, Edition Ellipses, 2007

الأطروحات و الرسائل:

بشرى النية، العقد المبرم بطريقة إلكترونية، أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص، جامعة محمد الخامس، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية أكدال، الرباط، السنة الجامعية 2011-2012.
خالد الفكاني، نظرة الميسرة، رسالة د.د.ع.م، جامعة محمد الخامس أكدال، كلية العلوم القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية الرباط، السنة الجامعية 2007- 2006.

الندوات:
عبد المجيد غميجة، عرض مقدم في اللقاء الدولي حول "الأمن التعاقدي و تحديات التنمية"، الصخيرات 18 و19  أبريل  .2014

المحاضرات:
           عبد الحكيم الحكماوي، دروس مطبوعة في مادة علم الإجرام ملقاة على طلبة السداسية السادسة، شعبة القانون الخاص، تخصص القانون الخاص، بجامعة محمد الخامس، الرباط، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية - سلا،
 السنة الدراسية 2014-2015  

عرض في مادة التعمير:تصميم التهيئة

مقــــــــــدمة:                                                
مسألة التعمير و إعداد التراب ليست مسألة حديثة فقد تبين من مختلف الأبحاث الأثرية أن هناك وجودا لآثار تنظيم التعمير و تهيئة المجال لدى المجتمعات العتيقة و هو أمر يمكن الوقوف على حقيقته من خلال تتبع أمثلة تدل على اهتمام الحضارات القديمة و المعاصرة بقضايا التعمير و تدبير المجال. 
إن التعمير الذي يحقق التنمية الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية يتوقف على ثلاثة عناصر هي تخطيط حضري فعال و سياسة عقارية فاعلة لخدمته و هما معا يرتكزان على اعتمادات مالية دائمة و مجندة من طرف الدولة و الجماعات المحلية بل و أيضا الفاعلون العموميون و الخواص المهتمون بقطاع التهيئة و السكنى.
فإذا كانت الديمقراطية وسيلة لتحقيق التنمية فإن تنمية الدول النامية تتطلب أولا و قبل كل شيء السكن اللائق و توفير المرافق الضرورية للحياة و المحافظة على البيئة, كل هذا لا يمكن أن يتم إلا في إطار سياسة سليمة للتخطيط الحضري و لتهيئة التراب الوطني .
و كما عرف الأستاذ عبد الرحمان البكريوي التخطيط الحضري هو تدخل الإدارة بأدوات منهجية و وثائق مرجعية لتنظيم استعمال المجال و تقنين أو تحديد هذا الاستعمال لكل منطقة من مناطق المدينة و تخصيص وظيفة لكل واحد منها قصد تحقيق تكامل أجزائها و انسجام أطرافها و بالتالي حسن تنظيمها و تعميرها.
إن التخطيط الحضري أصبح اليوم يتم بنوعين متكاملين من وثائق التعمير الأول يعرف بالأداة التوجيهية و التقديرية, أما الثاني فيطلق عليه الوثيقة التنظيمية و يشمل ثلاث وثائق و هي تصميم التنطيق و تصميم التهيئة و تصميم التنمية.
و يعد تصميم التهيئة أول وثيقة تعميرية يعرفها قانون التعمير إذ نظمها أول نص قانوني مغربي يهم التعمير اي ظهير16 أبريل1916 و بفضلها تم أثناء فترة  الحماية الأوروبية و بناء بعض المدن الجديدة و تم إنتاج أحياء متناسقة و منظمة و غنية بهندستها المعمارية و في نفس الوقت كانت السبب في افتقار بعض الأحياء إلى بعض التجهيزات الأساسية و بعض المرافق العامة كما كانت السبب في ارتفاع كثافة السكان بالمدن العتيقة. و في  ظهور أحياء الصفيح و تكاثرها إلى جانب السكن العشوائي المتزايد.
و بالنظر إلى أهمية هذه الوثيقة التعميرية فقد أولاها المشرع عنايته و أدخل عليها كثيرا من الإصلاحات لمواكبة التطور الذي يعرفه التعمير و تتجاوز الثغرات التي أبانت  عنها و ذلك ف ظهير30 يوليوز1952 ثم في ظهير17 يونيو1992.
هذه العناية إنما تجسد في الواقع الاهتمام المتنامي التي تحصى بها وثيقة تصميم التهيئة و دورها في تنمية المجال باعتبارها تشكل  العمود الفقري للتخطيط العمراني بالمغرب لما تراكم حولها من تجارب لدى الإدارة على مدى أكثر من سنة بالإضافة إلى تدخل عدد مهم من الإدارات العمومية و المؤسسات و السلطات الإقليمية و المجالس الجماعية في عملية إعدادها و تنفيذها.
و لأجل الإحاطة بمضمون هذه الوثيقة سيكون لزاما علينا الخوض في مجموعة من الإشكالات التي يطرحها موضوع تصميم التهيئة و التي يمكن إجمالها في الأسئلة التالية :
ما هي الجهات المكلفة بإعداد و دراسة و المصادقة على مشروع تصميم التهيئة؟
هل يخضع إعداد التصميم لعمليات تنسيق و تشاور كافيين بين جميع المتدخلين أم أنه يتم في غياب هذا التنسيق و التشاور؟
ما المقصود بالبحث العمومي المجرى في ظل الإعداد لمشروع تصميم التهيئة و ما هي القيمة  القانونية لهذا البحث؟
ما هو محتوى وثيقة تصميم التهيئة؟ و ما هي الآثار المترتبة عليها و الغرض منها؟
لمحاولة الإجابة عن هذه الأسئلة ارتأينا تقسيم هذا العرض إلى مبحثين نتناول في :
المبحث الأول:  مسطرة إعداد تصميم التهيئة و المصادقة عليها    
المطلب الأول : إعداد و دراسة مشروع تصميم التهيئة
المطلب الثاني : المصادقة على مشروع تصميم التهيئة
المبحث الثاني :الغرض من تصميم التهيئة و الآثار المترتبة عنه
المطلب الأول : الغرض من تصميم التهيئة
المطلب الثاني : الآثار المترتبة عن تصميم التهيئة العمرانية
المبحث الأول : مسطرة اعداد تصميم التهيئة و المصادقة عليها.
يمكن القول بأن المسطرة الحالية  لإعداد تصميم  التهيئة, لا تختلف كثيرا عن تلك التي كان ينظمها ظهير 1952 بشأن التعمير , حيث تبرز هيمنة الإدارة المكلفة بالتعمير على عملية إعداد تصميم التهيئة و الدور المتواضع للإدارة الجماعية في مرحلة المصادقة, و للوقوف على مسطرة تصميم التهيئة, ارتأينا تقسيم هذا المبحث إلى مطلبين نخصص المطلب الأول للإعداد دراسة تصميم التهيئة في حين نرصد في المطلب الثاني للمصادقة على تصميم التهيئة.
المطلب الأول: إعداد و دراسة مشروع تصميم التهيئة.
بالرجوع إلى المراحل التي تمر منها مسطرة إعداد تصميم التهيئة ,و بحثه و بمقارنتها مع المسطرة التي كان جاريا بها العمل في إطار ظهير1952 يتبين بأن المشرع قد تطلع في ظهير 1992, لبلوغ هدفين أساسيين : التعجيل بمسطرة إعداد التصميم و بدخوله حيز التنفيذ من جهة و دعم التشاور و التنسيق ما بين مختلف الإدارات المركزية و المحلية ,من أجل ملائمة و تكييف محتوى هده الوثيقة مع الواقع المحلي .
و للحديث عن إعداد و دراسة مشروع تصميم التهيئة, يتوجب علينا تقسيم هدا المطلب إلى فقرتين, نخصص الفقرة الأولى لإعداد مشروع تصميم التهيئة, في حين نرصد الفقرة الثانية لدراسة مشروع تصميم التهيئة.
الفقرة الأولى: إعداد مشروع تصميم التهيئة.
على غرار الوثائق التعميرية التي سبقت دراستها سابقا, تلعب السلطات العمومية المركزية دورا رئيسيا في إعداد تصميم التهيئة, وذلك رغم تنصيص المشرع على ضرورة "مساهمة" الجماعات المحلية في ذلك. فالمادة الثالثة و العشرون من قانون التعمير تنص صراحة على "وضع مشروع تصميم التهيئة بمبادرة من الإدارة...".كما تنص المادة الموالية لها على أن الإدارة هي التي تتولى دراسة المقترحات التي تتقدم بها مختلف الجهات المعنية بالمشاركة في إعداد المشروع بما فيها الجماعات المحلية, وهي التي توافق في الأخيرعلى مشروع التصميم.
إن عملية الشروع في إعداد مشروع تصميم التهيئة , تبدأ بإنجاز الدراسات الميدانية اللازمة
لمعرفة المنطقة من الناحيتين الاقتصادية و الاجتماعية , ووضعية التجهيزات التحتية و الفوقية , و ما تتوفر عليه من مرافق عامة و يتم في نفس الوقت اتخاد قرار يفتح مسطرة بداية دراسة المشروع من طرف السلطة الجماعية.                                          
إن إعداد مشروع تصميم التهيئة هو من اختصاص الوكالة الحضرية فالمادة 19 من المرسوم التطبيقي لقانون 12.90 تنص على إن "عملية إعداد و تصميم التهيئة تتم بمسعى من الوزارة و بمساهمة الجماعات المعنية و المجموعة الحضرية في حالة وجودها مع مراعاة الصلاحيات المسندة في هذا الميدان إلى الوكالات الحضرية بموجب التشريع الجاري به العمل". وبالرجوع إلى القانون المتعلق بإحداث الوكالات الحضرية, نجده ينص في مادته الثالثة على أن" الوكالات الحضرية تتولى في نطاق اختصاصها تحضير مشاريع التعمير المقرر بنصوص تنظيمية خصوصا خرائط التنطيق و تصاميم التهيئة و النمو".
وبذلك فان الوكالات الحضرية تقوم بصياغة الشروط الخاصة بالصفقة المتعلقة بمشروع الوثيقة و تحدد المبلغ المالي المناسب للمشروع كما تتابع مختلف مراحل الإعداد بدءا بنشر طلب العروض المفتوح و تتلقى طلبات المشاركة في العروض التي تقوم بدراسة جوانبها المنهجية و التقنية و المالية و التي على إثرها تعلن عن مكتب الهندسة المعمارية الفائز بالصفقة, حيث يقوم هذا الأخير بالأبحاث و الدراسات حول النقط التالية : التطور السكاني , حركية الهجرة , تحديد الأنشطة تطور استعمال الأرض .الوضعية العقارية , توزيع الشرائح الاجتماعية حسب الدخل بيان التجهيزات الموجودة فعلا.
     و عند انتهاء كل مرحلة من مراحل الدراسات السوسيوقتصادية والمجالية, يكون مكتب الدراسات ملزم بتقديم تقرير إلى الوكالة الحضرية, لتقوم هذه الأخيرة بدراسته في اطارلجنة, تضم بالإضافة إلى الوكالة الحضرية, كل من رئيس المجلس الجماعي المعني و المهندس المعماري المزاول عمله بالجماعة, و قد لا تكتفي الوكالة بما ورد في التقرير مكتب الدراسات بل إن لها أن ترسل فريقا تقنيا إلى عين المكان حتى تتمكن من الوقوف على ملائمة الدراسات مع الواقع.
و تجب الإشارة إلى أن القيام بالدراسات التمهيدية قد يتم من لدن الوكالة الحضرية إذا توفرت لها الإمكانيات و الوسائل التقنية و البشرية و المالية .
و بالموازاة مع ذلك ترسل الوكالات الحضرية رسالة مشفوعة بخريطة إلى المصالح الإدارية و الهيئات المعنية للحصول على المعلومات المتعلقة بالاحتياط العقاري الواجب تخصيصه لكل منها في إطار التصميم , كما يتعين أن يتضمن جواب هذه الهيئات كذلك برنامج الانجازات التي يجب القيام بها خلال الخمس سنوات الموالية.
الفقرة الثانية: دراسة مشروع تصميم التهيئة.
بعد تسلم الوكالة الحضرية لمخطط المشروع من مكتب الدراسات تقوم هاتها الأخيرة بدراسة المشروع بمساهمة من السلطات الإدارية المحلية لمختلف الوزارات و إن اقتضى الحال جميع الهيئات المعنية كالمكتب الوطني للكهرباء, المكتب الوطني للسكك الحديدية... و تنتهي هذه الاستشارة بوضع مخطط إجمالي , لتقوم بعد ذلك الوكالة بتوجيه المشروع إلى المجالس المحلية .لأجل دراسته من الناحيتين القانونية و التقنية و تتم الدراسة عبر اللجنة المحلية للتعمير , هكذا فقد نصت المادة 20من الرسوم التطبيقي لقانون 12.90"تقوم الوزارة المكلفة بالتعمير أو الوكالة الحضرية بغرض مشروع تصميم التهيئة الذي تم إعداده على لجنة محلية يحدد تأليفها و تسييرها وفقا للمادة5 من هذا المرسوم لإبداء رأيها فيه" و تضم هذه اللجنة إلى جانب الوالي أو عامل العمالة :
أعضاء اللجنة التقنية المحلية التابعة للعمالة أو الإقليم المعني بالأمر.
رؤساء مجالس الجماعات المعنية و إن اقتضى الحال رئيس أو رؤساء المجموعات الحضرية المعنية.
رؤساء الغرف المهنية.
و تقوم هذه اللجنة بدراسة مشروع التصميم التهيئة و تسهر على تنسيق مواقف ممثلي المصالح الخارجية على مستوى الإدارة الإقليمية و الإدارة الجماعية. و العنصر الجديد هو مشاركة الغرف المهنية في اجتماعات اللجنة المحلية مما يعطي بعدا اقتصاديا لتصميم التهيئة.
و بعد اختتام أعمالها تتولى اللجنة داخل أجل خمسة عشر يوما من انتهاء أشغالها أمر إعداد بيان هذه الأشغال و دعمه بمحضر حول ذلك, تبعث به إلى الوزارة الوصية على قطاع التعمير أو إلى مدير الوكالة الحضرية بحسب الحالة , حيث يعود لإحدى هاتين السلطتين أمر اتخاذ قرار بشأن ذلك.
و بعد إعداد و صياغة مشروع التصميم على ضوء اقتراحات أو ملاحظات اللجنة المحلية تقوم الإدارة المكلفة بالتعمير أو إدارة الوكالة الحضرية بصياغة المشروع ما قبل النهائي لعرضه على أنظار المجلس أو المجالس الجماعية المعنية لدراسته أو إلى مجلس المجموعة الحضرية إن اقتضى الأمر ذلك . و لعل الهدف من استشارة هذه المجالس هو إضفاء طابعا ديمقراطيا على وثيقة أدتها المصالح المركزية للدولة , فهذه الاستشارة هي محددة الأجل حيث تنص المادة رابعة و العشرون من قانون التعمير 12.90 في فقرتيها الثانية و الثالثة على أنه يتعين على المجالس التي سقناها " إن تبدي داخل أجل شهرين من تاريخ الإحالة مشروع التصميم إليها ما يعني لها في شأنه من اقتراحات تتولى الإدارة دراستها بمشاركة الجماعات المحلية التي يعنيها الأمر . و إذا لم تبد المجالس الأنفة الذكر أي ٍرأي داخل الآجال المنصوص عليها أعلاه فان سكوتها يحمل على أن ليس لها أي اقتراح في موضوع التصميم المحال إليها".
إن أول إشكالية تطرح أمام الإدارة خلال فترة الإعداد لتصميم التهيئة هو ذلك الفراغ الذي يحصل خلال الفترة الفاصلة بين الشروع في الدراسات و البحث العمومي و بين المصادقة على مشروع التصميم. و هي فترة يمكن يستغله المضاربون للتملص من مقتضيات التصميم الجديد التي تلوح في الأفق. و لتفادي ذلك أجاز المشرع بمقتضى المادة واحد و عشرون من قانون التعمير لرئيس المجلس الجماعي , بمبادرة من المجلس أو بطلب من الإدارة,إصدار قرار يقضي بدراسة مشروع تصميم التهيئة و تعيين حدود الرقعة الأرضية التي سيشملها التصميم . و يسري نطاق تصميم التهيئة وفق ظهير 1992 على الجماعات الحضرية , و المراكز المحددة و المناطق المحيطة بها , و المجموعات العمرانية , ثم بعض المناطق التي تكتسي طابعا خاصا و يستوجب توسعها العمراني تخطيط تهيئتها و خضوعها لمراقبة الإدارة. و تعتبر هذه العملية من التدابير الاحتياطية التي تسمح للإدارة بالإمساك عن تسليم رخص التعمير , و تأجيل  البث في مشاريع التجزئة العمرانية و البناء , تفاديا للمضاربات العقارية و الأعمال  التي يمكن أن تأتي منافية لمقتضيات التصميم الجديد و تعرقل تنفيذه مستقبلا, و تسري أحكام هذا القرار لمدة ستة أشهر قابلة للتجديد لمدة ستة أشهر أخرى. إلا أن المشرع المغربي سمح لرئيس المجلس الجماعي بإمكانية الترخيص لبعض المشاريع بصفة استثنائية إذا كانت لا تعرقل مقتضيات تصميم التهيئة الجديد و كانت تتلاءم مع أحكام مخطط توجيه التهيئة العمرانية. ويشترط في ذلك موافقة الإدارة الإقليمية المشرفة على التعمير أو الوكالة الحضرية .
إلى جانب هذه الاستشارة نص القانون الجديد على استشارة جديدة تخص عموم المواطنين من خلال إجراء البحث العلني عن منافع و مضار مشروع التهيئة الذي ينظم لفائدة السكان و خاصة منهم الذين يمتلكون عقارات داخل المنطقة التي يغطي ترابها التصميم هذا البحث يستمر شهرا كاملا و يجري خلال المدة التي يكون فيها مجلس الجماعة أو مجالس الجماعات المعنية بصدد دراسته , و على رئيس الجماعة أن يوفر وسائل النشر و الإشهار اللازمة قبل بدء البحث .
و يلاحظ إن المدة المخصصة للمجلس أو المجالس المعنية هي شهر واحد بدل شهرين مادام إن الشهر الآخر مخصص للبحث العلني و هذه المدة غير كافية لاستشارة المجالس الجماعية فكان من الأفضل أن يخصص للبحث العلني شهرا كاملا و للاستشارة الجماعية شهرين و تخصيص وقت كافي لدراسة ملاحظات العموم إن كانت هناك ملاحظات و اقتراحات.
و حتى يكون جميع السكان على اطلاع بالبحث العلني صونا لحقوقهم فعلى الرئيس مجلس الجماعة قبل التاريخ البحث العلني أن يقوم بنشر إعلان يبين تواريخ و انتهاء هذا البحث و يشير إلى إيداع مشروع تصميم التهيئة بمقر الجماعة , هذا الإعلان يجب أن ينشر في جريدتين يوميتين مسموح لهما بتلقي الإعلانات القانونية و ذلك مرتين تفصل بينهما ثمانية أيام  يكون كذلك محل ملصقات بمقر الجماعة.
و يمكن للعموم خلال البحث العلني أن يطلعوا على مشروع تصميم و أن يقوموا بإبداء ملاحظاتهم بالدفتر المفتوح لذلك بمقر الجماعة أو أن يبعثوا بها بواسطة رسالة مضمونة مع إشعار بالتوصل إلى رئيس المجلس الجماعي المختص.
وتنص الفقرة الأخيرة من المادة خمسة و عشرون من قانون التعمير الجديد على أن يتولى مجلس الجماعة عند دراسته لمشروع تصميم التهيئة دراسة الملاحظات المعبرة عنها خلال إجراء البحث قبل عرضها على الإدارة.
إلا أن الإشكال الذي يبقى مطروحا هو ما هي القيمة القانونية للبحث العلني؟ هل فعلا يتم الأخذ بعين الاعتبار ملاحظات و مقترحات المواطنين حول وثائق التعمير أم أن هذا البحث يبقي مجرد إجراء شكلي فقط.
إن مسطرة البحث العمومي يجب أن تتجاوز واقعيا التفسير الضيق الذي يحصرها على أملاك الأراضي لكي تهم جميع فعاليات المجتمع المدني كوسيلة لتوسيع دائرة المشاركة في اتخادالقرارات التي تهم تنظيم المجال.
و بعد انتهاء اجل الشهرين المخصصين لدراسة تصميم التهيئة من قبل المجالس الجماعية تبعث هده الأخيرة إلى السلطة الحكومية المكلفة بالتعمير اقتراحاتها مرفقة بملف البحث العلني, فيتم الاتصال مع الوكالة الحضارية إن اقتضى الأمر ذلك و دراسة كل المقترحات لاتخاذ القرار الملائم .
المطلب الثاني: المصادقة على مشروع تصميم التهيئة
بعد استنفاذ كل مراحل البحث والإعداد التي يمر منها مشروع تصميم التهيئة و التي يكون الهدف منها طبعا هو دمقرطة عملية إعداد وثائق التعمير بصفة عامة، لأن ذلك يتطلب إخبار عموم المواطنين بمحتوى هذه الوثاق والاستماع إلى آرائهم و ملاحظاتهم كطريقة للحصول على المعطيات الضرورية التي يمكن للإدارة أن تستأنس بها في إعدادها لمحتوى هذه الوثائق .
إذن بعد ذلك يصل مشروع تصميم التهيئة إلى مرحلته الأخيرة، وهي مرحلة المصادقة التي عرفت تعديلا هاما بموجب قانون 12.90 مقارنة مع نظام ظهير سنة 1952.
فبالرجوع إلى المادة 26 من المرسوم التطبيقي للقانون رقم 12.90، يستخلص أن عملية المصادقة هاته تتم عبر رفع مشروع تصميم التهيئة إلى رئيس الحكومة من أجل المصادقة عليه ، وذلك بموجب مرسوم يتخذ من طرف الوزير الوصي عن قطاع التعمير. ليتم بعد ذلك نشره بالجريدة الرسمية، و بهذه الطريقة يكون المشرع المغربي بتبنيه لنظام ظهير 17 يونيو 1992 وتعديله لمحتويات ظهيري 1913 و 1952 ، يكون قد عمل على ترشيد هذه المحتويات وتجاوز الثغرات التي طبعت النظم السابقة  وذلك في أفق مواكبة التطورات التي عرفها مجال التعمير الوطني.
ومن بين مظاهر التعديل هذا خصوصا في مرحلة المصادقة على مشروع تصميم التهيئة ، مسألة الحد من عدد الهيئات العمومية المتدخلة في مسطرة المصادقة على مشروع تصميم التهيئة  و حصرها في رئيس الحكومة الذي تم منحه هذه السلطة إضافة إلى وزير التعمير الذي خوله المشرع حق اقتراح أمر هذه المصادقة ، و بالتالي عدم اشتراط الحصول على موافقة أي سلطة حكومية أخرى، لأن تدخل هاتين السلطتين يعد كافيا لدخول تصميم التهيئة حيز التنفيذ و اكتسابه القوة الملزمة التي يفرض بها محتوياته في مواجهة  مخاطبيه، وذلك طبعا بعد نشره بالجريدة الرسمية. لكن السؤال الذي يمكن أن يتبادر إلى الذهن بهذا الصدد هو حول ما إذا أصبح تصميم التهيئة متجاوزا بسبب التزايد العمراني و الحاجة الملحة للسكن، فهل يمكن للمجالس المحلية المنوط إليها تنفيذ التصميم تغير محتوياته  لمواجهة تلك المشاكل و التصدي للمضاربات العقارية؟
هذا الإشكال تجيب عنه المادة 26 من قانون التعمير إذ يمكن تغيير تصميم التهيئة العمرانية وفق الإجراءات و الشروط  المقررة فيما يتعلق بوضعه و الموافقة عليه. وبالتالي  أمكن القول أنه لتعديل تصميم التهيئة يجب سلوك مسطرة أخرى تسمى مسطرة تغيير تصميم التهيئة وهي التي بموجبها يتم إعداد تصميم جديد يشمل كل أو بعض المنطقة التي يغطيها التصميم المصادق عليه .
وفي أي حال من الأحوال فإن تجاوز تصميم التهيئة لمرحلة المصادقة، يدخل بعد ذلك مباشرة حيز التنفيذ وتسري مقتضياته وآثاره على المخاطبين به.
فما هي إذن أهم الآثار المترتبة عن تصميم التهيئة العمرانية؟ وما هو الغرض منه أصلا؟ .. هذا ما سيتم الوقوف عليه ضمن المبحث الثاني.














المبحث الثاني: الغرض من تصميم التهيئة و الآثار المترتبة عنه
عموما يتم وضع تصميم التهيئة إما لتنظيم عمران وتعمير مدينة قائمة، أو حتى من أجل ضبط نمو و اتساع عمران مدينة ، كما يمن إعداده بمناسبة تشييد مدينة جديدة ، وبالتالي يحق التساؤل عن محتوى هذا التصميم  و الغرض منه وكذا عن الآثار المترتبة بعد دخوله حيز التنفيذ.
المطلب الأول:محتوى تصميم التهيئة والغرض من إقرار العمل به                             
قبل الخوض في الحديث عن هذا المحتوى لا بد أولا من الإشارة إلى نطاق تطبيق تصميم التهيئة، ولعل منطوق المادة 18 من قانون 12.90 قد حددته ، إذ يشمل المجالات الآتية:
الجماعات الحضرية و المراكز المحددة.
المناطق المحيطة بالجماعات الحضرية و المراكز المحددة.
جميع أو بعض أراضي جماعة قروية.
المجموعات العمرانية.
أما عن محتوى تصميم التهيئة فهو يتألف حسب المادة 20 من قانون التعمير من نوعين من الوثائق.
فالوثيقة الأولى هي عبارة عن رسوم بيانية أو خرائط تبين الشكل الذي من خلاله يتم رصد وتحديد آفاق تهيئة المنطقة كما يتوقعها التصميم ، أما الوثيقة الثانية فتأخذ شكل نظام يتكون من مجموعة قواعد قانونية غرضها شرح مضمون الوثيقة الأولى (أي الرسوم البيانية) وتحديد ضوابط استعمال الأراضي والارتفاقات والالتزامات المفروضة لتحقيق تهيئة منتظمة ومتناسقة، إضافة إلى قواعد البناء المتعلقة بالمنطقة المعنية .
أما بخصوص الأغراض و الغايات المتطلبة من وراء تصميم التهيئة ، يمكن  تستشف من خلال المواد 17،18 و 19 من قانون التعمير ، إذ يتعلق الأمر ببيان مختلف الأغراض التي ستخصص لها المناطق الموجودة في الرقعة الترابية المعنية بتطبيق التصميم  و حصر تخصصاتها عن طريق تحديد غرضها الأساسي أو تحديد الأنشطة المجالية التي سيسمح بمزاولتها داخلها.
وبموجب أحكام تصميم التهيئة يتم تحديد مختلف المناطق بحسب الغرض الذي ستستعمل له أو طبيعة الأنشطة التي يمكن أن تمارس فيها سواء كانت هذه المنطقة سكنية أو منطقة صناعية أو تجارية أو سياحية أو منطقة لزرع الخضروات أو ذات طبيعة غابوية.
فبالنسبة للمنطقة السكنية يتم توزيعها إلى أحياء سكنية تجمع كل حي فيها خصائص و ميزات مشتركة ، في حين المنطقة الصناعية  هي تلك المخصصة لممارسة أنشطة صناعية أو التي تتمركز فيها مؤسسات صناعية، على أن هذه المؤسسات الصناعية بدورها يمكن أن تصنف إلى 3 مستويات يحددها رئيس الحكومة بناء على اقتراح من المزير الوصي على قطاع الأشغال العمومية ، وذلك طبقا لأحكام ظهير 25 غشت 1914.
هذه المستويات أو الفئات تتراوح بين مؤسسات صناعية ينطوي نشاطها على خطورة كبيرة أو على احتمال إلحاق الضرر بالصحة العمومية ، وبخصوص المنطقة التجارية ، فقد جرت العادة على دمجها مع المناطق السكنية عن طريق تخصيص الطوابق السفلى لممارسة النشاط التجاري ، كل هذا مع ترك حيز للمنطقة الغابوية لإقامة الأغراس الضرورية لضمان التوازن الإيكولوجي للمدينة .
بالإضافة إلى ذلك يتضمن تصميم التهيئة :
بيانا لمختلف المناطق التي يمنع فيها البناء بجميع أنواعه.
حدود الطرق و المسالك و المساحات و مرافق السيارات الواجب الحفاظ عليها.
حدود ميادين الألعاب و الساحات المخصصة للتظاهرات الثقافية و الفلكلورية الواجب الحفاظ عليها.
حدود المساحات المخصصة للأنشطة الرياضية الواجب إحداثها و كذا حدود المساحات المخصصة لنفس الغرض و الواجب الحفاظ عليها.
المواقع المخصصة للتجهيزات العمة كالسكك الحديدية و التجهيزات الصحية و التعليمية و المباني الإدارية و المساجد و المقابر....
ويشير تصميم التهيئة أيضا إلى المواقع الأثرية و الموقع الطبيعية الواجب حمايتها، علاوة الضوابط المطبقة على البناء و ضوابط استعمال الأراضي   
مع الإشارة إلى الارتفاقات المحدثة لمصلحة النظافة أو لأغراض جمالية أو أمنية أو للحفاظ على الصحة العامة، وكذلك الارتفاقات التي تفرضها قوانين خاصة إن وجدت.
تجدر الإشارة في نهاية هذا المطلب إلى كون هذه الضوابط أو المحتويات التي تم الحديث عنها تعد ملزمة لجميع الأطراف المعنية بتصميم التهيئة ، أي أن الإدارة من جهة والمتدخلين في المجال العقاري من جهة أخرى ، يتعين عليهم احترام بنود هذه العقدة في مختلف تدخلاتهم وفي سائر أشغالهم داخل هذه المنطقة، و هو ما يمكن تبريره بكون تصميم التهيئة هذا لا تتم المصادقة عليه إلا بعد عرضه كمشروع على أنظار العموم من أجل إبداء آرائهم و ملاحظاتهم في هذا المجال.
المطلب الثاني:آثار تطبيق تصميم التهيئة
بعد المصادقة على تصميم التهيئة ونشره في الجريدة الرسمية يكتسب قوته الإلزامية في مواجهة كل المخاطبين به و يجبرهم على التقيد بأحكامه ، إلا أن المشرع  قد اتخذ مع ذلك بعض التدابير الاحتياطية تجعل مقتضيات مشروع تصميم التهيئة ملزمة قبل صدور نص المصادقة عليه وهذا ما سنقف عليه في أول نقطة، آثار تصميم التهيئة قبل الموافقة عليه (الفقرة الأولى) تم آثار تصميم التهيئة بعد الموافقة عليه (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: آثار تصميم التهيئة قبل الموافقة عليه
مبدئيا تصميم التهيئة لا يجرى العمل بأحكامه  إلا بعد استنفاذ مسطرة إعداده و المصادقة عليه ونشره ، وإنه في انتظار ذلك فإن القواعد التي يكون جاريا بها العمل في ذلك الوقت هي الواجبة التطبيق ، أي تصميم التهيئة أو تصميم التنطيق الجاري العمل بأحكامها لحظة إعداد تصميم التهيئة الجديدة ، إلا أنه و نظرا لكون هذه الوثائق قد تتضمن أحكاما تكون في تعارض مع توقعات مشروع التصميم الجديد وحتى لا يتم الإخلال بتوقعاته و أهدافه المستقبلية من أجل تنمية التجمع العمراني ، فإن ظهير 17 يونيو1992 يتوقع إمكانية التطبيق القبلي لأحكامه حيث توقعت المادة 27 من الظهير المذكور عدة إجراءات احتياطية ملزمة ينبغي التقيد بها في تنظيم وتنمية المدينة في انتظار دخول تصميم التهيئة الجديد حيز التنفيذ
وعليه وبمجرد اختتام مرحلة البحث العلني- أي بمجرد انقضاء المدة التي يستغرقها عرض مشروع تصميم التهيئة على عموم المواطنين لإبداء ملاحظاتهم حوله – وإلى غاية صدور النص الذي يقضي بالمصادقة على هذا المشروع  فإنه يمنع طبقا لمقتضيات المادة المذكورة أعلاه منح الإذن بإنجاز كل الأعمال المتعلقة بالبناء و الغرس وإقامة التجزئات أو المجموعات السكنية إذا ما تضمنت هذه الأعمال ما يخالف أحكام مشروع تصميم التهيئة الجديد مما يفيد أنه ابتدءا من تلك اللحظة تصير مقتضيات هذا التصميم ملزمة ينبغي التقيد بها في إنجاز كل الأشغال السالف ذكرها
وكنتيجة حتمية لكل ذلك وحتى تكتسب محتويات هذا التصميم الأولوية في التطبيق على محتويات وثائق التعمير الجاري بها العمل قبل دخوله حيز النفاذ فقد نصت الفقرة الثانية من المادة 27 أعلاه على بطلان أحكام تصميم التهيئة الجديد حيز العمل ابتداء من لحظة اختتام مرحلة البحث العلني
إلا أنه ومن أجل التعجيل بصدور نص المصادقة على مشروع تصميم التهيئة الجديد الذي أصبحت أحكامه ملزمة حتى قبل المصادقة عليه ونشره ، ولكي لا يطول ترقب هذا النص فإن المشرع قضى بانتهاء إلزامية العمل بأحكامه بعد مرور اثني عشر شهرا من انقضاء مدة البحث العلني المتعلق به مالم يصدر نص المصادقة النهائية عليه.
الفقرة الثانية:آثار تصميم التهيئة بعد الموافقة عليه
بعد صدور النص القاضي بالمصادقة على تصميم التهيئة ، بمثابة إعلان على أن المنفعة العامة تقتضي القيام بكل ما يلزم من أجل إنجاز التجهيزات الضرورية لتطبيقه (حدود الطرق – حدود المساحات الخضراء – حدود المساحات المخصصة للنشاطات الرياضية الواجب الحفاظ عليها – المواقع المخصصة للتجهيزات العامة – المواقع المخصصة للتجهيزات العامة – دوائر القطاعات الواجب إعادة هيكلتها أو تجديدها )
وتنتهي الآثار المترتبة على إعلان المنفعة العامة عند انقضاء أجل 10 سنوات يبتدئ من تاريخ نشر النص القاضي بالموافقة على تصميم التهيئة ،ولا يجوز القيام بإعلان المنفعة العامة للغرض نفسه إنما يتعلق بالمناطق المخصصة للتجهيزات الأنفة الذكر قبل انصرام أجل 10 سنوات .
وإجمالا، فإن أحكام تصميم التهيئة تلزم من جهة كل الهيئات العمومية المعنية بتطبيقه والتي يتعين عليها إنجاز ما يناط بها من تجهيزات يستلزمها تطبيق هذا التصميم كل منها في نطاق اختصاصها وداخل دائرة نفوذها ، كما أن أحكام تصميم التهيئة تلزم من جهة ثانية الفاعلين الخواص الذين يتعين عليهم احترام قواعده والتقيد بضوابطه في كل أشغالهم ومشاريعهم المتعلقة بالتجزئات و التجهيز والأبنية وذلك عن طريق احترام مساطر الحصول على الرخص الضرورية للقيام بأوراش التعمير وعن طريق التقيد بمحتوى القواعد القانونية المنظمة لعمليات البناء والتجزيء والهندسة المعمارية
وتجدر الإشارة أن تصميم التهيئة ككل الأنظمة يمكن تغييره حسب حاجيات الجماعة ولكي يصبح أكثر ملائمة للحاضر ، لذلك فهو لا يمنح أي حق مكتسب فالإدارة يجوز لها مراجعة بعض المقتضيات المتعلقة بالتجزئات رغم حصول أصحابها على الترخيص قبل الموافقة على التصميم الجديد حيث تعمل على تحيين الالتزامات التي يتضمنها دفتر تحملات الشروط ويحق لها أن تضيف إليه كل أو بعض المقتضيات التي ينص عليها التصميم .
















خـــــاتمة :
من خلال ما تم عرضه, يبدو جليا أن دور المجالس الجماعية في إعداد تصميم التهيئة يبقى دورا محدودا مقارنة بالدور المهيمن للوكالات الحضرية.
إن المسعى الحثيث للقيادة السياسية بالمغرب  و إقرار جهوية موسعة يقتضي إشراك المجالس الجماعية فعليا و بشكل أكبر منذ البداية في عملية إعداد تصميم التهيئة ما دامت هي المعنية بتنفيذ التصميم لاحقا و لا يمكن أن يتحقق هذا الإشراك إلا من خلال إعادة تأهيل المجالس الجماعية.
أما فيما يخص مرحلة المصادقة على مشروع التصميم فإن الإشراك الحقيقي للمجالس الجماعية يقتضي تمديد مدة البحث العمومي و توسيع قاعدة الإشراك لتشمل الجماعات المحيطة بالجماعة المعنية بالمشروع و هو ما من شأنه أن يحقق التنمية الشاملة, و لتفادي بعض سلبيات التأخير في مسطرة المصادقة على تصميم التهيئة فإنه يجب الاقتصار على جعل المصادقة على مشروع التصميم تتم على المستوى المحلي من طرف الولاة.
أما فيما يخص التنفيذ فإن المجالس الجماعية تتحمل مسؤولية تنفيذ مقتضيات تصميم التهيئة مع الحرص على تحقيق أهدافه و أغراضه و في هذه المرحلة تشاركها الإدارة المكلفة بالتعمير, إلا أن الدور المهيمن يجب أن يكون للمجالس الجماعية و هو دور طبيعي مادام أن التصميم يوضع أصلا لفائدة الجماعة.









.
الفــــــــــهرس
مقــــــــــدمة:    1
المبحث الأول : مسطرة اعداد تصميم التهيئة و المصادقة عليها.    3
المطلب الأول: إعداد و دراسة مشروع تصميم التهيئة.    3
الفقرة الأولى: إعداد مشروع تصميم التهيئة.    3
الفقرة الثانية: دراسة مشروع تصميم التهيئة.    5
المطلب الثاني: المصادقة على مشروع تصميم التهيئة    8
المبحث الثاني: الغرض من تصميم التهيئة و الآثار المترتبة عنه    10
المطلب الأول:محتوى تصميم التهيئة والغرض من إقرار العمل به    10
المطلب الثاني:آثار تطبيق تصميم التهيئة    12
الفقرة الأولى: آثار تصميم التهيئة قبل الموافقة عليه    12
الفقرة الثانية:آثار تصميم التهيئة بعد الموافقة عليه    13
خـــــاتمة :    15
الفــــــــــهرس    16

samedi 13 janvier 2018

قطاع العدل مكانة خاصة لدى جلالة الملك

يحتل قطاع العدل مكانة خاصة لدى جلالة الملك الذي يولـــــــــيه عنايته السامية،و أكد جلالته مرارا عزمه على مواصلة إصلاح القضاء ليستجيب لمتطلبات العدل و التنمية باعتبار أن دولة الحق و المؤسسات لا يمــــــكن ترسيخ دعائمها و تقوية أسسها إلا بوجود قضاء عادل و نزيه يقــــــــــوم بالدور المنوط به على أحسن وجه.
و نظرا لما يكتنف مفهوم العدالة مــــــن غموض،إذ تضــــاربت الآراء و الأطروحات و وجهات النظر بخصوصه،حيث أعطاها البعض بعدا سياسيا تهدف إلى حماية الحريات السياسية و الحقوق الطبيعية. بينما أعطــــــاها البعض الآخر بعدا إقتصاديا باعتبارها تسعى إلى التوزيع العـــــــــــــــــادل للثروات،في حين ربطها آخرون بالدور الذي تقوم به في محاربة الجريمة و حماية المجتمع.
و في خضم هذا الزخم من التعريفات المتنوعة للعدالة،قدم جلالة الملك إقتراحا آخر و مفهوما جديدا للعدالة،هذا المفهوم الذي لم يأتي من فــراغ أو عدم، وإنما كمرحلة متقدمة و ناضجة لمسلسل إصلاحي نهجته البــلاد بطريقة جديدة و جدية منذ إعتلال جلالة الملك لعرش أسلافه المياميــــــن.
و قد كشف جلالته عن هذا المفهوم في خطابه السامي بمناسبة افتتــــاح الدورة الأولى من السنة الرابعة من الولاية التشريعية الثامنة و الذي هــو " القضاء في خدمة المواطن ". حيث أوضح جلالته بهذا الخصوص أنه <<و على غرار مبادرتنا للمفهوم الجديد للسلطة الهادف لحسن تدبيــــــــر الشأن العام فقد قررنا أن نؤسس لمفهوم جديد لإصلاح العدالة ألا و هـــــو "القضاء في خدمة المواطن">>
كما أكد أن السلطة القضائية بقدر ما هي مستقلـــة عـــــن الجهـــــــازين التشريعي و التنفيذي ،فإنها جزئ لا يتجزأ من سلطة المملكة،وسيـــــــادة قوانينها،و حماية حقوق التزامات المواطنة.
و ألح جلالة الملك في هذا الصدد على << أن حسن تنفيذ مخططنــــــــا للأصلاح العميق و الشامل لمنظومة العدالة،لا ينحصر فقط في عمـــــــــل الحكومة و البرلمان ، إنما هو رهين،أساسا ،بالأداء المسؤول للقضاة >>
كما أضاف أنه <<تجسيدا لعزمنا الراسخ على توطيد سلطة الدولة علــى دعائم سيادة القانون،وسمو القضاء الفعال،فإننا نؤكد على أن المفهـــــوم الجديد للسلطة الذي أطلقناه في خطابنا المؤسس له بالدار البيضاء فـــــي أكتوبر 1999 يظل ساري المفعول >>
و في ذات السياق قال وزير العدل السيد محمد الطيب الناصري يوم 11 أكتوبر 2010 أن مفهوم القضاء في خدمة المواطن الذي أعلن عنـــــــه جلالة الملك محمد السادس يكرس في الواقع البعد الإجتماعي للقضــــــاء باعتباره الساهر على سيادة القانون و الضامن لحماية حقوق و التزامات المواطنة،و كذا العامل الفعال للإسهام في تحقيق التنمية.
كما أوضح السيد وزير العدل في كلمة ألقاها بمناسبة التوقيع علــــــــى إتفاقية ثلاثية الأطراف(1)تتعلق ب"برنامج دعم تطبيق مدونة الأسرة من خلال تطوير ولوج النساء إلى خدمات العدالة" أنه تنفيذا للتوجيهــــــــات الملكية السامية فإن مفهوم "القضاء في خدمة المواطن" هو منطـــــــلق برنامجنا و عليه تتمحور مخططاتنا، و إليه ترمي أهدافنا ،و نعمل فــــــي وزارة العدل على تحقيقه على أرض الواقع من خلال إجراءات ملموســـة، و خطط مضبوطة.مضيفا أن الخطاب الملكي السامي المذكور يشكل دفعـــة قوية ،جديدة لإصلاح العدالة ينضاف إلى توجيهات جلالـــــته المتعلقـــــــة بالإصلاح الشامل و العميق لمنظومة العدالة الذي أعلن عنه في الخطاب التارخي ليوم 20 غشت 2009
و في ذات المنحى صرحت السيدة نزهة الصقلـــــي وزيرة التنميـــــــــــة الإجتماعية و الأسرة و التضامن بمناسبة التوقيع على على الإتفاقيـــــــــة المذكورة بأن مفهوم القضاء في خدمة المواطن الذي أعلنه جلالة المـلك يعتبر إشارة قوية للأهمية القصوى التي تكتسيها العدالة في مسار بنــــاء دولة الحق و القانون ،مضيفة أن المفهوم الجديد هذا يساهم في تعزيـــــز مشروع بناء مجتع حداثي و ديموقراطي،و تقوة دينامية إحترام حقــــــوق الإنسان.
و بالرجوع إلى الخطاب الملكي المؤسس للمفهوم الجديد لإصــــــــــلاح القضاء سنجده يؤسس هذا المفهوم على مرتكزات و دعائم أساسية تشكل الأهداف المتوخات من تبنيه. و التي إعتبرها الأستاذ سعيد بورمان(2)قــد جاءت لتحل محل ممارسات سلبية كانت سائدة،في محاولة لتجاوز الواقع الذي نعيشه و تعقيداته.
هذه الأهداف التي حددها جلالته حين قال بأن الهدف المتوخى من جعــل
القضاء في خدمة المواطن هو <<قيام عدالة متميزة بقربها مـــــــــــن المتقاضين،و ببساطة مساطرها و سرعتها،ونزاهة أحكامها ،و حداثة هياكلها،و كفاءة و تجرد قضاتها،و تحفيزها للتنمية،و التزامها بسيادة القانون في إحقاق الحقوق و رفع المظالم >>.
و إغناءا لهذا الموضوع سنتناول هذه الأهداف المسطرة أعلاه بنوع من التفصيل مخصصين لكل هدف فقرة منفردة
أولا: عدالة قريبة من المتقاضين
إن الحديث عن عدالة متميزة بقربها من المتقاضين لا يعني فقط إعطائها أبعادا مكانية محضة فحسب،أي جعل العدالة -كمؤسسة- قريبة من التجمع السكني للمواطنين تيسيرا لهم للولـــوج لخدماتها،و رفع العسر و المشقـة التي يتسبب فيه بعد المحاكم عنهم.
فبالإضافة لهذه القيمة المضافة التي أتى بها المشرع مؤخــــــــــــرا(3)و ماتحمله من مزايا تقريب الإدارة من المواطنين، فقرب العدالة المنصوص عليها في الخطاب الملكي السامي تعني كذلك –و بالضرورة- تعزيز مكانة المواطن و الرفع من قيمته، و الإيمان بأنه العنصر الهدف من إنشاء هــذه المؤسسات،و المستحق من الخدمات أجودها وأرقاها. و لأجله يجـــــب أن ينبني ذلك لدى مقدم الخدمة هاتة على واجب مهني قائم على النظـــــــــــم و القوانين،و على واجب أخلاقي مبعثه الشرف و الضمير.و لــــــــيس أن يعتبـــر واجبه هذا صدقة يجود بها على من يشاء،و يحرمها ممن يشــاء، و كأنـــه السيد و المواطن ليس إلا مجرد عبد !!
و بالتالي وجب نهج حسن الإستماع لهؤلاء المواطنين، و تعريفــــهـــم بمختلف الخدمات المتوفرة،و إرشادهم نحو قضاء مآربهم بمرونــــــــــة ويسر(4)
كما يجب من ناحية أخرى إعادة النظر في بعض المهام وذلك بتقليــص عدد المتدخلين في القضية الواحدة،إذ لا يعقل تدخل عدة أشخاص فــــــي قضية قد يكفي فيها شخصين على الأكثر.
والأخذ بما سلف لا ينبغي له أن يكون موسميا أو مؤقتا(5)، وإنمــــــا أن يظل مستمرا و قائما، بل و أن يعتبر منهجا عمليا،و نظاما واجب التطبيق يحمل على ذات الأساليب التي تصرف به الأشغال اليومية.
و تجدر الإشارة إلى أن و وزارة العدل قد اتخذت قرار إحالة ملفــــــــات الأرشيف بمحاكم المملكة إلى المراكز الجهوية للحفظ،فعلى مستـــــــــــوى الدائرة القضائية لإستئنافية ورزازات فالأعمال جارية من أجل إحالـــــــــة ملفات الأرشيف إلى المركز الجهوي مراكش-أكادير المتواجد بمدينــــــــة مراكش.و ما يثيره ذلك من تخوفات لدى المواطنين قاطني هذه الــــــدائرة القضائية،إذ تتطرح عدة تساؤلات حول الكيفية و المدة الزمنية التـــــــــي ستحال بها و فيها الملفات المطلوبة من طرف المحكمة لضروريتهــــــا أو لإرتباطها بملفات رائجة كملفات الغرفة المتعلقة بإدماج العقوبات الــــــتي تتطلب توفر الملفين موضوع العقوبتين المطلوب إدماجهما حيث نـــــــرى المحكمة تطلب ضم الملفين للبث في الطلب.وكل ذلك و ما يثيرة من إشكال إستجابة المركز لطلبات إرسال الملفات بالسرعة المطلوبة،والحال أنــــــه يستقبل ملفات ثلاث دوائر قضائية!؟
ثانيا: عدالة ذات مساطر بسيطة و سريعة
لقد أمست بساطة المساطر القضائية ضرورة ملحة حتى يكون بالإمكــان الدفع بعجلة الفصل في القضايا الطروحة على المحاكم نحو السرعــــــــة المطلوبة،إذ أن بساطة المساطر و السرعة في البث في النزاعات القائمة أمران متلازمان.
و لن تتمتع المساطر القضائية بالبساطة إلا حين يتم التقليــــــل مـــــــــن التعقيدات الشكلية التي يعتمد عليها في كثير من الأحيان على حســــــــاب المضمون الذي يكون سليما،فبعض هذه الجزئيات الشكلية قد تجعل مــــن المواطن يعود إلى النقطة الصفر ليببدأ مشواره من جديد و التــــــخوف لا يزال ينتابه إن كان قد صادف صواب الإجراءات الشكلية،أم أنه سيسقط
في براثين الإغفال من جديد!!
و قد نصادف نوعا آخر من التعقيدات حين نجد أن توقيع وثيقة كشــهادة التسليم من لدن شخص بعينه دون غيره إن تم التسليم مثلا داخل جـــدران المحكمة الواحدة.أو رفض أحد الموظفين تلقي تصريح بالتــــــــــعرض أو الإستئناف أو النقض بذريعة أن زميله بذات المكتب فلان هو المكـــــــــلف بذلك!مع أن الصلاحية قد تمنح لكليهما ما داما يتمتعان بصفة كاتــــــــــب الضبط(6).
و يرى ذ/ سعيد بورمان بهذا الخصوص في المجلس الأعلى (محكمــــــة النقض حاليا) مثال في تعقيدات وشكليات عريضة النقض ،مما يسوجــــب معه ضرورة خلق ثقافة قضائية جديدة تعتمد على بساطة المساطر، وذلك بجرد جوانب التعقيد سواء فيما يخص اللوجيستيك هل هو يستجيـــــــــــب للغرض الذي وجد من أجله، أو الوثائق والمطبوعات من حيت الشكــــــــل والمضمون،ثم بعد ذلك الكشف عن المساطر المعقدة لنصل إلى التحليـــــل باعتماد أفكار ملائمة مع تهييء البدائل والحلول أكثر فاعلية، وتحديـــــــد كيفية التتبع والمراقبة وإدخال التصحيحات ومن سيقوم بهــــا، وكـــل ذلك بهدف تيسير الحياة اليومية للمواطنين وتحسين علاقتهم مع القضاء مـــن جهة، وتسهيل نشاط المقاولة وتمكينها مــن المشاركة في التنميـــــــــــــة الاقتصادية من جهة أخرى، لأن تعقيد المساطر والإجراءات الطويلــــــــة والمتشعبة والآجال الممتدة تنشأ عنه حالات تنازعية بين القضــــــــــــاء والمواطنين وتكثر الشكايات والاحتجاجات والبحث عن البدائل، وبالتـــالي عرقلة نمو المقاولة وضعف الإنتاجية(7).
و على غرار الحديث عن بساطة المساطر القضائية،نقول أن السرعـــــة هي الأخرى متطبة في كافة مراحل الدعوى حتى نتمكن من إيصــــــــــــال الحقوق لذويها في الوقت المناسب من جهة،ولتدعيم أسس ثقة هؤلاء في الجسم القضائي من جهة ثانية،لأنه ليس من الإنصاف أن يركن مسلوبــوا الحقوق إلى الصمت و الإستسلام و التجرع من كأس الصبر على ما ضاع
منهم لمجرد يقينهم أن القضاء لن يزيد الطين إلا بلة،أو أنه في أحسن الأحوال لن يرد من الحقوق أكثر مما ضاع منها.
فالسرعة إذن شرط أساسي في المشروع الإصلاحي بمفهومه الجــــديد، والتي يجب أن تكون بدءا بمرحلة إعداد القضايا أي عدم إهمالهـــــــــــــا و التماطل في تسجيلها بالسجلات المعدة خصيصا لذلك بغية إحالتها إلــــى أقرب جلسة مقبلة،مرورا بإجراءات التبليغ إذ يجب إيصال الإستدعـــاءات لإصحابها داخل الآجال القانونية تفاديا لتأخير الملفات لذات السبب المتمثل في إعادة الإستدعاء لعدم التوصل كما أن المسؤولية تظل أيضا على عاتق الخبراء لأن الفصل في العديد من القضايا يبقى رهين تقاريرهم التــــــــــي كلفتهم به المحكمة.
دون أن ننسى طبعا دور القضاة و المستشارين في تحرير الأحكام فـــــي أوقاتها إذ أن نقطة تنفيذها تبدأ لحظة كون الحكم أو القرار محــــــــــــررا. و مرحلة التنفيذ تبقى أهم مرحلة إطلاقا لأن إنعدام التنفيذ أو التماطل فيـــه ـ و كما قال الملك الراحل الحسن الثاني رحمة الله عليه ـ يجر المرئ إلـــى تفكير آخر و هو إنحلال الدولة.(8)
ثالثا: عدالة ذات أحكام نزيهة
لقد سبقت الإشارة إلى إلى أن موضوع إستقلال السلطة القضائيـــــــة قد إستأثر بالقدر الهام و الأكبر من اهتمام المعنيين بالإصلاح القضـــائي،هذه الإستقلالية التي وإن كرسها الدستور الجديد ضمن مواده،فإن نـــــــــزاهة الأحكام تعد الحصن الحصين لها،والتفعيل لها أيضا على أرض الـــــــواقع.
و نزاهة الأحكام تقتضي من قضاة الحكم ،وهم ينظرون في القضــــــــايا و الدعاوى المعروضة أمامهم الإعتماد على أسس واقعية متفقة مع ما هو منصوص عليه قانونا،دون أيـة قيــــــود،أو تــــــأثيرات،أو تهـــــديدات،أو إغراءات،أو ضغوطات مباشرة و غير مباشرة.
و يجب أن يظل مبعث ما أشرنا إليه أعلاه هو الرقابة الإلهية بالــــــدرجة الأولى، أي الخوف منه سبحانه و تعالى،ثم استحضار مبادئ الشـــــــــرف
و الضميرين الأخلاقي و المهني.وذلك قبل أتخاذ أي قرار من شأنــــــــــه المساس و لو بجزء يسير من حقوق المتقاضين الذين جــعلوا مصائـرهم، و مصائر عائلاتهم بين أيديهم.
فنزاهة الأحكام إذن تعد القلب النابض للجسم القضائي السليم،و هي الـــــحجر الأساس لمجتمع ديموقراطي قائم على آليات و ضوابط قانونية معتمــدة عــلــى سيادة الحق و القانون،كما انها من الأسباب الداعية إلى قوة الدولة العصـريــة و مناعتها . و المساهمة بشكل فعال في التنمية و الإزدهار، و تكريس الأمــــن و الإستقرا،و تنمية و الرقي بشخصية الفرد داخل محيـــطه الإجـتماعــــي،لأن القضاء العادل النزيه يكفل ضمان إحترام الذات الإنسانية،وحفظ التوازن بيــن مــختـــلف مكونات المجتمع،كما أن القضاة النزهاء هم النبراس المضــــــيء أمـــام الفســـــاد و المفسدين.
رابعا: عدالة ذات هياكل حديثة
لقد أراد جلالته تبسيط العلاقات بين الناس والمؤسسات القضائية فــي ظــل المتغيرات الضرورية، على أن تكون فاعلة ومؤثرة، وأراد تجاوز الــهياكــــل القضائية وتراكيبها التي حالت حتى الآن دون قيام بناء قانوني يعزز الهياكــل القانونية ورفع مستوى الأداء والجودة والخدمات القانونية والقضائية، ورغم الترسانة القانونية فإن آليات تطبيقها غير متوفرة بالشكل الكافي لغياب الوسائل التكنولوجية والإلكترونية التي تساعد على تحديث العمل الــقضائـي، ناهيك عن عدم وجود الأطر المؤهلة والمتخصصة تقوم بعمليات مــدققة لهــا علاقة بقوانين فنية وتقنية تتطلب وفرة المعلومات في مجـــــــال التـــجــــارة والأعمال والمالية والاستثمار(9)
خامسا: كفاءة القضاة و تجردهم
إن الحديث عن هذا المطلب يستدعي منا التطرق إلى نقطتين أولاهما كفاءة
القضاة،و الثانية لتجردهم اثناء مزاولتهم لمهامهم.
فبالنسبة للنقطة الأولى،فنرى أن الكفاءة الواجب توفرها في القـــاضــــي تستلزم أساسا متينا يتمثل في الإنتقاء الموفق للفئة التي ستتحمل جسامــة هذه المسؤولية التي ستلقى على عاتقهـم،و المتفهمة للرسالة التي يسـعى القضاء إلى تبيلغها،و الدور الواجب القيام به.
و في اعتقادنا المتواضع فالعمل داخل المؤسسة القضائية كقاض لــيــس بالأمر الهين أو اليسير،لما يتطلبه ذلك من حنكة و تجربةوممــــارســــــــة عملية،إلى جانب المعرفة العلمية النظرية،و لا نظن أن السنتين الــتــــــــي يقضيها الملحقين القضائيين الأحرار في التمرين كافية لجعلهم جاهزيـــــن بالشكل الكافي لتحمل أعباء مهنتهم الجديدة.و مــــــــن و جب إعادة النظر فـــــي هذه المدة الممنوحة لهذه الفئة،مع إعطاء الفرصة للعاملين داخــــل الفضــاء القضائي للولوج لمهنة القضاء بشروط تفضيلية، ككتــــــــــــاب الضبــــــــــــــــط، و المحامين،و المفوضين القضائيين،و العدول شريطة توفرهم علـــــــــــى الشواهد المطلوبة قانونا،و تجربة ميدانية لا تقــــــــل عشر سنوات(10).
وعليه يجب إعادة النظر في القانون المنظم لمبارة الملحقن القضائييــــن أخذا بعين الإعتبار ماسلف، إلى جانب شروطا أخرى كالسن المقترحــــــة و عدد المرات الممسموح بها لإجتياز هذه المباراة.
و الكفاءة تنبني على أسس و معايير يمكن إجمالها في القدرات المهنيــة و اللغوية و التنظيمية التي يتمتع بها القاضي ،والطريقة التي يتبعها فـــي تصريف الأشغال الموكولة إليه،و كذا المدة التي تقضيها القضايا بين يديه.
ثم جودة التعليلات التي يعطيها للأحكام و القرارات التي يتخذها،و بعدهــــا القدرة الإنتاجية التي يتمتع بها مقارنة بزملائه في العمل و ما يبذل فــــــي سبيل ذلك من جهد و عطاء.
و جدير بالذكر أن السلوك الشخصي للقاضي، و انضباطه و تعامله مـــن الغير و مظهره الخارجي (11)كلها دعائم لا تقل أهمية،ولها أثر فعال فـــــي
بناء شخصية القاضي التي يجب لها،و عليها أن تفرض كل الإحتـــــــــرام و التقدير.
و لنا أيضا في المساهمات العلمية من مؤلفات و المشاركة في النـــدوات معيارا آخر لقياس كفاءة القضاة،و ما يساهم فيه ذلك من نشر الثقـــــــافة القانونية بأسلوب يجمع بين النظري و العلمي،عكس ما تقدمه لنــــــــــــا الدراسات الأكاديمية المحضة ـ و نحن لا ننكر أهمية هذه الدراســــــــات ـ
التي تركز على الجانب النظري و حسب.
و فيما يخص النقطة الثانية المتعلقة بالتجرد،فيمكن القول أنها تنبنــــــي الحياد و عدم انحياز القاضي و هو ينظر فيما يعرض أمامه من قضايا إلى فرد أو جماعة أو تيار معينين.
و التجرد في الواقع ليس إلا المرآة العاكسة لمبدأ اإستقلالية المفــــترض أن يتمتع بها الجهاز القضائي و المكرسة قانونا بمواد الدستور الجديـــــد، و التي تستوجب عدم الخضوع لأي مؤثرات كيفما كانت،و الإعتماد فقــــط على ما وصل إليه الوجدان الداخلي و القناعة الشخصية للقاضي و المبنية طبعا على الأسس الواقعية و القانونية للنازلة.
ولتفعيل مبدأ التجرد هذا لابد من تحقيق الضمانات الأساسية لذلك كــعدم جعل التنقيلات التعسفية،و الإجراءات الإنتقامية المؤثرة على الترقيـــــات و عدم الإستجابة لطلبات الإنتقال الشخصية متى توفرت شروطهــــــــــــا، و كــــــذا إرهاق القاضي بكــــــثرة التوضيحات عن قضــاياه، مطرقة فوق رأسه تهـــــدده على و جه الدوام.
سادسا: عدالة محفزة للتنمية
يعرف مفهوم التنمية عدة تعاريف و مصطلحات يتدخل فيها مـــــا هــــو إجتماعي و اقتصادي ،بما هو سلوكي و حقوقي.غير أنه يمكن أن نعطيها تعريفا إجمليا يجعل منها مشروعا تنمويا تنهجه الدولة لمواجـــــــــــــــهة الوضعيات السياسية و الإقتصادية و الإجتماعية للنهوض بها إلى مـــا هو أفضـــــــل و أكبر.و قد اتسع هذا المفهوم ليكتسي طابع الديمومة ليســـمى فيما بـــــــــعد بالتنمية المستدامة و التي تعني تحقيق الشروط المثاليــــــة لأجل خــلق ثروة إقتصادية هامة قصد توزيعها فيما بعد بشكل عادل يسمح فـــــي ذات الآن بالحفاظ على الموارد الطبيعية و استعمالها دون اســـراف أو تبذير قصـــــد محاربة الفقر و التهميش الإجتماعيين.
فقبل أن يقول جلالة الملك بضرورة تحفيز العدالة بمفهوم الإصــــــــلاح القضائي الجديد للتنمية،فقد ربطها سابقا بهذه التنمية إذ صرح فـــــــــــي الخطاب الذي ألقاه سنة 2002 بمناسبة افتتاح دورة المجلس الأعلـــــى للقضاء بأن <<الأهمية القصوى التي نوليها لإصلاح القضاء و تحديثــــه و تأهيله للإسهام الفــــعال في المشروع المجتمعي الديموقراطـــــــــــــي الحداثي>>.كما أكد جلالتــــــه في ذات الخطاب أن العاملين في قطاع العدل أنفسهم يتحملون مسؤولية إصـــــلاح جهاز العدالة الذي يتوقف عليــــــه كسب رهــان الديموقراطيـــة و التنمــــية.
و لا يخفى ما للقضاء من دور مهم و مؤثر في التنمية لتدخله في مختلف مناحي الحياة الفردية و الإجتماعية،ونظرا لكون هذه النقطة تعد في حــــد ذاتها موضوعا مستقلا لا يسع هذا المطلب الإلمام بكل جوابه،فيكفينــــــــا التطرق إلى بعض جوانب التنمية التي يتدخل فيها القضاء،إذ يقال بأن مــا لا يدرك كله لا يترك جله.
فالتنمية تتطلب شروطا أساسية أولها وأهمها السلم الإجتماعي الـــــــذي يجب أن يطبع كل مقومات الدولة حتى نتمكن من النهوض و الرقي بــــها، هذا السلم الإجتماعي الذي لا يمكن أن يكرس إلا بوجود مؤسسة قضـــائية قوية و نزيهة، لأن بقاء النزاعات قائمة،و انشار الظلم مــــن شأنـــــــــــه تشــــجيع الإضطراب داخل المجتمع و سيادة ثقافة الإنتقام و أخذ الثــــــأر الشخصــي أو القبلي.
كما أن الجانب الإقتصادي له علاقة بالقضاءما دام أن الأخير يسعى إلــى حماية الطرف الضعيف في العلاقات الإقتصادية،و قوة العدل طريق إلـــــى جلب الإستثمارين الوطني و الأجنبي.
و لا تخفى أيضا أهمية القضاء و دوره في حماية لأسرة باعتبارها النواة الأساسية للمجتمع،والخلية الأولـــــى للتمنية سواء كانت الأسرة تـــوصف بكونها منتجة للقيم الإجتماعية،أو بوصفها فاعل إقتصادي فـــي الإنتـــــاج و الإستهلاك و الإدخار...إلخ
و عموما يمكن القول أنه كلما انتقص من استقلال القضاء وقوته فان حقوق الأفراد والهيئات تكون مهددةوبالتالي فان الشعب يكون متخلفاً عن ركب الحضارة، والقضاء المستقل عن السلطتــينالتــشريعية والتنفيذية هو الضمانة لجميع أفراد المجتمع وهيئاته.
إذن لا يمكن أن نتصور تنمية وحضارة بدون قضاء عادل وقــوي ومستقل. وكم أعجبني كلام كسرى حين قال: لاملكبدون جند، ولا جند إلا بالمال، ولا مال إلا بالرعية، ولارعية إلا بالعدل.
سابعا: عدالة ملتزمة بسيادة القانون في إحقاق الحقوق و رفع المظالم
و هذا يعني أن الفصل في المنازعات قصد رفع الظلم و إرجاع الحقوق إلى أهلها يجب أن يقوم على القانون المـدون،لا علـــى مجرد الأعـــراف و التقاليــــد.
ولا يخفى أن القانون يجب أن يصدر عن سلطة تشريعية منتخبة من طرف الشعب عن طريق انتخابات حرة ونزيهة،و يبقى الهدف من وراء إقرار القوانين ـ كما هو معلوم ـ هو محاربة الفوضى و الإستبداد،و لأجــــــل استتباب الأمن و الإستقرار.
و لسيادة القانون يجب الأخذ بعين الإعتبار المعايير الخمس التاليــــة:
1ـ إعمال مبدأ <<لا مخالفة إلا بالقانون >>
2ـ نشر القانون بالجــــريدة الرسمية حتي تصبح أحكــــامه سارية عــــلى الجميع.و بالتالي نجـــد في هـذا الخصـــــوص إعمال القاعــدة القـــانونية المشهورة " لا يعذر أحد بجهله للقانون " ما دام أن هذا النشر يعد بمثابة إعلان بصدور القانون و افتراض علم الجميع به.
3ـ عدم الحكم على أي شخص دون إجراء قانوني سليم،و في محــــــاكمة علنية أمام جهاز قضائي مستقل.
4ـ مساواة جميع المواطنين أمام القانون.
5ـ صدور قانون عن مشرع منتخب في انتخابات نزيهة عامة و سريــــــة نابعة عن إرادة الشعب.
و عن السؤال المطروح بخصوص مقومات العدالة القادرة على تثبيــــث مبدأ سيــــاد القانون يجيب ذ/ سعيد بورمان(12)علـــى ذلك بثلاث قــــواعد أساسية و جوهرية كمايلي :
ـ القاعدة الأولى: وجوب إصدار الأحكام وفق قواعـــــــد قانونية صــــادرة عــن السلطة التشريعية.
ـ القاعدة الثانية: عدم التدخل لدى القضاة،أو تعديل أحكامـــهم من طـــرف إحدى السلطتين التشريعية و التنفيذية.
ـ القاعدة الثالثة: إحترام حقوق الدفاع،و العمل بقاعدة " المتهم بـــــــرئ حتى تثبت إدانته".
(1) المتمثلة في وزارتي العدل و التنمية الإجتماعية و الأسرة و التضامن، و صندوق الأمم المتحدة الإنمائي للمرأة لشمال إفريقيا
(2)رئيس المكتب الجهوي للمفوضين القضائيين بمحكمة الإستئناف بالدار البيضاء. مقال له بعنوان < كفى ... لنتصالح مع عدالتنا > منشور في جريدة الصباح بتاريخ 19 أكتوبر 2010
(3) ونقصد هنا مؤسسة قضاء القرب التي أتى بها التنظيم القضائي الجديد للمملكة،و التي يسعى المشرع من وراء إحداثها تفادي الإنتقادات الجمة الموجهة لمحاكم الجماعات و المقاطعات.
للإطلاع على وجهة نظر أستاذنا عبد الكريم الطالب بخصوص محاكم الجماعات و المقاطعات،راجع مؤلفه التنظيم القضائي المغربي طبعة يونيو 2006 ص 21_22
(4) و طبعا على القائم بهذا الواجب الإلتزام بالضوابط التي من شأنها جعله لا يتعدى مهامه و تبني مهمة الإستشارات القانونية التي تبقى من إختصاصات السادة المحامين.
راجع بخصوص هذا المادة 30 سيما الفقرة 5 من القانون رقم 28/08 المتعلق بتعديل القانون المنظم لمهنة المحاماة،الصادر بتفيذه الظهير الشريف رقم 1.08.101 بتاريخ 20 شوال 1429 الومافق ل 20 أكتوبر 2008
(5) كنهج وزارة العدل لسياسة الأيام المفتوحة مرة واحدة سنويا
(6) نلاحظ غير ما مرة قيام بعض أطر كتابة الضبط (منتدبين و محررين) عند ملئهم لبعض المطبوعات المتعلقة مثلا بمحاضر التنفيذ،أو المطبوعات الخاصة بتلقي بعض طرق الطعن يشطبون على كلمتي كاتب الضبط ليضع بدلها إطاره الذي ينتسب إليه.
و في اعتقادنا بهذا الخصوص أن صفة كاتب الضبط واجبة الإستعمال في كافة الأشغال التي يقوم بها موظف هيئة كتابة الضبط بغض النظر عن الإطار الذي ينتمي إليه، فالمسطرتان المدنية و الجنائية لم تخاطباه إلا بتلك الصفة .أما الإطار الإصلي فيتم التعامل به في المراسلات الإدارية الشخصية، وكذا في الندوات و المؤلفات بعد إذن الوزارة الوصية.
(7) المرجع السابق
(8)خطاب المغفور له الحسن الثاني بتاريخ31 مارس1982 بمناسبة اجتماعه بقضاة المملكة،ومن فقراته:" إن مسؤولية القاضي ليست أجسم من مسؤولية كاتب الضبط،ومسؤولية المحامي ليست أجسم من مسؤولية القاضي ،والتنفيذ أكبرالمسؤوليات.ذلك أن عدم التنفيذ يصل به الإنسان إلى استنتاجين: الأول: أن القضيةلم تأخذ بعين الاعتبار في الموضوع ولو حكم فيها، وأعتقد أن المحكوم له أو المحكومعليه ان هذا على صواب وهذا على خطأ فعدم التنفيذ والتماطل في التنفيذ يجر المرئ إلىتفكير آخر هو انحلال الدولة"
(9) ذ/ سعيد بورمان،المرجع السابق
(10) نعتقد أن هذه المدة المقترحة تعد الأنسب لما ستوفره من تجربة و ممارسة هامتين لتعدد المساطر و القوانين من جهة،و ما ستوفره من نضج في الملكات العقلية للشخصمن جهة ثانية.
فإن كانت من الناحية العملية هذه هي المدة المتطلبة في المنتدبين القضائيين (السلم 10) المرشحين لتقليد مناصب مسؤولية رئاسة مصلحة كتابة الضبط أو كتابة النيابة العامة،فتقليد مسؤولية القضاء أولى بذلك.
(11)و قد قيل بأن لباسك يرفعك قبل جلوسك،و علمك يرفعك بعد جلوسك

lundi 18 septembre 2017

عرض في مادة التعمير تصميم التنطيق

مقدمة :    
           يعرف التعمير من قبل بعض المهتمين على أنه فن تهيئة  المدن أو علم المدينة والتجمعات المخصصة أساس للسكن والعمل والأنشطة الاجتماعية الأخرى ’ويقصد به في نظر البعض مجموعة من الإجراءات التقنية والقانونية والاقتصادية والاجتماعية التي تساعد على تطوير المجتمعات بشكل عقلاني منسجم وإنساني.
           ويستنتج من هده التعاريف أن التعمير يهدف بشكل عام إلى مسألتين اثنين أولهما تنمية المجتمع وذالك بتنظيم الحياة الجماعية للأفراد المنتمين إليه ’وثانيهما تدبير المجال بغية تخطيط التوسع العمراني.
          و على غرار باقي  البلدان في العالم’ مغرب فان المغرب عرف تطورات كبيرة كبيرة على مستوى التعمير وتهيئة المجال’ ولمسايرة هدا التطور قام المشرع المغربي بإصدار نصوص جديدة تلائم التطورات والتغيرات التي عرفها المغرب لاسيما زيادة وتيرة النمو الحضري وتزايد الإقبال على اقتناء الأراضي والحاجة إلى السكن  وهكذا أصدرت القوانين التالية : 
        - القانون رقم 12.90 المتعلق بالتعمير الصادر في 17 يونيو1992.
        -القانون رقم 90.25 المتعلق بالتجزئات العقارية والمجموعات السكنية وتقسيم العقارات الصدر بتاريخ 10 شتنبر 1993.
        -الظهير المحدث لوكالات الحضرية الصادر في 10 شتنبر 1993.
        -القانون رقم 016.89 المتعلق بمزاولة مهنة الهندسة المعمارية وإحداث هيئة المهندسين المعماريين الوطنية الصادر في 10 شتنبر 1993.
        ومن بين الغايات الرئيسية التي يروم إليها قانون التعمير وضع إطار قانوني ينظم المجال بشكل يستجيب لحاجيات الجماعة والمتعددة بتعدد انشغالات أفرادها وبتنوع أنشطتهما لاقتصادية والتجارية والاجتماعية والثقافية وغيرها.وقد أعتمد المشرع المغربي على غرار باقي القوانين المقارنة على التخطيط الحضري كأداة لتنظيم المجال وترشيده وحسن استعماله’ والتخطيط الحضري كما يعرفه البعض هو تدخل الإدارة بأدوات منهجية ووثائق مرجعية لتنظيم استعمال المجال وتقنين أو تحديد هدا الاستعمال لكل منطقة من مناطق المدينة.
        والتخطيط الحضري كما يظهر من التعريف المشار إليه أعلاه يتكون ويرتكز على وثائق وقواعد تنظيم المجال’ وهي في القانون المغربي وهي في القانون المغربي مخطط توجيه التهيئة العمرانية وتصميم التهيئة.
           ونظرا للأهمية التي يكتسيها تصميم التنطيق سنتناوله بالدراسة من خلال عرضنا هذا 
 -فما المقصود بتصميم التنطيق ؟
-وما الهدف من وضع هذا التصميم ؟  وما هو نطاق تطبيقه ؟
وما هي المسطرة التي يتم إتباعها في وضع تصميم التنطيق؟-وما هي الاتار المترتبة على هدا التصميم؟


وللإجابة على هده التساؤلات سنعتمد في دراستنا لهدا الموضوع منهجية ثنائية وذالك من خلال مطلبين كما يلي :

المطلب الأول : المقصود بتصميم التنطيق والهدف من وضعه ونطاقه

              الفقرة الأولى :تصميم التنطيق والهدف منه

              الفقرة الثانية : نطاق تطبيق تصميم التنطيق

المطلب الثاني : مسطرة وضع تصميم التنطيق والأتار المترتبة عليه

              الفقرة الأولى : مسطرة وضع تصميم التنطيق

             الفقرة الثانية : الأتار المترتبة عليه









المطلب الأول : المقصود بتصميم التنطيق والهدف من وضعه ونطاقه

             يعد تصميم التنطيق من الوثائق الهامة للتعمير حيت يعتبر نقطة وصل بين مخطط توجيه التهيئة العمرانية وتصميم التهيئة’ وتتجلى أهمية تصميم التنطيق في سد الثغرات والنواقص التي قد تتسرب إلى مخطط توجيه التهيئة العمرانية.
 الفقرة الأولى : تصميم التنطيق والهدف منه
            خصص المشرع المواد من 13الى 17 من قانون التعمير لسنة 1992 والمواد من12 إلى 17 من المرسوم التطبيقي له.لتصميم التنطيق الذي يعد من الوثائق الهامة للتعمير’ ويوضع مباشرة بعد المصادقة على وضع مخطط توجيه التهيئة العمرانية’ وهو في الواقع يقوم بمهمة ملء الفراغ التعميري لاسيما بالمناطق التي لا تتوفر على تصميم التهيئة الذي يتطلب وقتا طويلا للاعداده وانجاز.
ويهدف تصميم التنطيق كما تنص على ذالك المادة 13 من قانون التعمير إلى تمكين الإدارة والجماعات المحلية من اتخاذ التدابير التحفظية اللازمة لإعداد تصميم التهيئة والحفاظ على توجيهات مخطط توجيه التهيئة العمرانية.
فتصميم التنطيق ومن خلال تسميته عبارة عن تصميم يحدد المناطق ويبين الأغراض التي ستخصص لها وتستعمل فيها’ كما لو تعلق الأمر بمنطقة ستخصص للأغراض تجارية أو صناعية أو للسكن أو غير ذلك... وهذا طبعا على خلاف تصميم التهيئة الذي يقصد من ورائه النهوض بالتنمية العمرانية لمنطقة من المناطق. وان شئنا القول فتصميم التنطيق ذو طابع عام.
        وقد بينت المادة 13 في فقرتها الثانية وبشكل عام لأهداف التي يرمي إليها تصميم التنطيق والتي تعد في ذات الوقت محلا له وهي بالأساس :
تحديد تخصيص مختلف المناطق للأغراض التي يجب إن تستعمل له بصورة أساسية منطقة سكنية ’منطقة صناعية’ منطقة تجارية’ منطقة سياحية’ منطقة زراعية’ منطقة غابوية على سبيل المثال.
   -تحديد المناطق التي يحظر فيها البناء بجميع أنواعه.
-تعيين المواقع المخصصة لإقامة التجهيزات الأساسية والاجتماعية كالطرق الرئيسية والمستوصفان والمدارس والمساحات الخضراء.
-تحديد المناطق التي يجوز لرئيس المجلس الجماعي إن يؤجل البت في الطلبات التي ترمي الى الحصول على ادن للقيام داخلها بتجزئة أو احدات مجموعة سكنية أو استصدار ترخيص للبناء فيها.
ولئن كان المخطط التوجيهي للتهيئة العمرانية’يرمي إلى التنظيم العام للتنمية العمرانية للرقعة الخاص بها لمدة 25 سنة على الأكثر’ فان سريان مفعول تصميم التنطيق يدوم سنتين على الأكثر من تاريخ  نشر النص الموافق بموجبه عليه.
و يشتمل تصميم التنطيق على وثيقة تتكون من رسوم بيانية و نظام يحدد القواعد التي يتعين إتباعها استعمال الناطق’ وهذا يختلف عن مشتملات المخطط التوجيهي للتهيئة العمرانية التي تتميز بالتنوع والتعدد والكثرة.
ويبقى نطاق تصميم التنطيق مرتبطا بالوسط الحضري وبالحدود المرسومة للتهيئة مستقبلا’ ليقوم بوظيفة تحديد المناطق المعدة لاستعمالات مختلفة’كالمناطق السكنية والمناطق الصناعية والمناطق الإدارية’إذ انه قبل المصادقة على تصميم التنطيق يتخذ رئيس المجلس الجماعي بعد مداولة المجلس قرارا يقضي بدراسة تصميم التنطيق وبالتبعية تصميم التهيئة تأجيل البت في طلبات رخص التعمير’ هو تمكين الإدارة من مواجهة المضاربين العقاريين الدين يعلمون بنوايا الإدارة قبل أن تصبح نافدة المفعول فيقومون ببناء منشئات أو تجزئات عقارية في الأراضي التي تحتاجها الإدارة لإقامة التجهيزات الأساسية والمرافق العمومية.


الفقرة الثانية : نطاق تطبيق تصميم التنطيق
            يعتبر تصميم التنطيق تصميما وقتيا حيث لا تتجاوز مدته  سنتين بعد إصدار المخطط التوجيهي للتهيئة العمرانية’ فهو يحدد وظيفة كل منطقة داخل الجماعة الواحدة أو داخل رقعة ترابية’ وتكمن مهمته في العمل على اتخاد التدابير التحفظية اللازمة للإعداد تصميم التهيئة والحفاظ على توجيهات مخطط التهيئة العمرانية.
            كما يعتبر تصميم التنطيق وثيقة من وثائق التعمير التنظيمي التي يلجأ  إليها المشرع من أجل تخطيط توجهات التعمير المرسومة في المخطط التوجيهي للتهيئة العمرانية’ وقد نظم قانون رقم 12.90 المتعلق بالتعمير تصميم التنطيق من المادة 13 إلى المادة 17. مع الإشارة إلى أن تصميم التنطيق هو تصميم مؤقت ومرحلي يتم بواسطته ملئ الفراغ بين التصميم المديري للمخطط التوجيهي للتهيئة العمرانية وبين تصميم التهيئة.
            وإذا كان تصميم التنطيق تصميم توجيهي من أجل توظيف مناطق داخل مجال الوسط الحضري ويقع اللجوء إلى تصميم التنطيق في المراكز الحضارية التي لا تتوفر على تصميم مديري ولا على تصميم التهيئة أو التي لا تتوفر على هده التصاميم لكن مدة صلاحيتها انتهت وهده هي وضعية كتير من المدن والمراكز الحضرية ببلادنا ويمتد نطاق تطبيق تصميم التنطيق ليشمل الجماعات الحضرية والمراكز المحددة’ والمراكز المستقلة’والمناطق المجاورة للمدن.
        فالمقصود بالجماعات الحضرية حسب المادة الأولى من قانون التعمير البلديات والمراكز المتمتعة بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي’ أما المراكز المحددة فهي عبارة ودائما حسب نفس المادة أجزاء من جماعات قروية تعين حدودها السلطة التنظيمية ’ على أن المراد بالمناطق المجاورة للمدن الأراضي القروية المجاورة لتلك المدن’ فتمتد المناطق المحيطة بالمدن الى مسافة خمس عشر كيلو مترا تحسب من الدائرة البلدية.
المطلب الثاني : مسطرة وضع تصميم التنطيق والأتار المترتبة عليه.
خصص المشرع المغربي في قانون رقم 12.90 المتعلق بالتعمير لتصميم التنطيق المواد من 13الى 17 والمواد من 12الى 17 من المرسوم التطبيقي له’ موضحا مختلف المراحل التي يمر منها إعداد وتصميم التنطيق.
الفقرة الأولى : مسطرة وضع تصميم التنطيق
                 يمكن القول أن هناك تداخلا بين مسطرة إعداد مشروع تصميم التنطيق ومسطرة إعداد تصميم التهيئة’ذالك أن الأول لا يعدو أن يكون ممهدا وميسرا لإعداد الثاني.
                حددت المادة 5 من قانون التعمير الجهات التي تتدخل في وضع تصميم التنطيق وهي بشكل رئيسي الإدارة’ لكن يمكن للجماعات المحلية في هده العملية’ وذالك من خلال دراستها للمشروع بعد إحالته عليها من طرف الإدارة عند الاقتضاء’ وتقديم مقترحاتها داخل اجل شهرين من تاريخ الإحالة وهذا ما يستنتج من مضمون المادتين 15 و16 من قانون التعمير.
وقد عملت المواد من 12الى 16 من المرسوم التطبيقي لقانون التعمير على توضيح المسطرة المتبعة في وضع تصميم التنطيق’ التي تعد حقيقة شبيهة إلى حد بعيد بتلك التي يتم سلوكها بالنسبة لمخطط توجيه التهيئة العمرانية.
             فإعداد مشروع التنطيق يتم من قبل الوزارة المكلفة بالتعمير بمساهمة من قبل الجماعات المعنية والمجموعات الحضرية آدا كانت موجودة’ وتقوم الوزارة المعنية أو الوكالة الحضرية عند وجودها بعرض مشروع تصميم التنطيق على لجنة محلية مكونة ممن وردوا في المادة 5 من المرسوم المذكور.
             وتوجه اللجنة المحلية بيانا موجزا بما قامت به من أعمال وذالك داخل أجل 15 يوما على الأكثر من الانتهاء من أشغالها’ أما إلى الوزارة المكلفة أو الى مدير الوكالة الحضرية يتخذ القرار الملائم بخصوص ذالك المشروع.
             وبعد استنفاد كل هده الإجراءات’ وقطع كل هده المراحل تتم الموافقة على تصميم التنطيق من قبل السلطة الحكومية المكلفة بالتعمير وينشر بالجريدة الرسمية ويرتب أثاره في مواجهة كل الفعالين الاقتصاديين الدين يشتغلون في مجال التعمير والسكنى إذ يتعين على هؤلاء التزام الالتزام بمقتضيات تصميم التنطيق واحترام الاستعمالات والتخصيصات التي وضعت لها المناطق.فلا يمكن القيام بمشاريع سكنية في مناطق اعتبرها تصميم التنطيق ذات طابع صناعي أو العكس.
              وتلعب الإدارة والسلطات المحلية دورا رئيسيا في احترام تصاميم التنطيق إذ لا تسمح بإنشاء مصانع في مناطق سكنية’ كما لا ترخص في بناء متاجر في مناطق ذات طابع سكني أو ذات طابع مرفقي ومؤسساتي.       
            يعرض مشروع تصميم التنطيق في صيغته الجديدة كما هيأته إدارة التعمير أو الوكالة الحضرية على أنظار المجالس الجماعية المعنية و إلى مجلس المجموعة الحضرية إن اقتضى الأمر ذلك لدراسته وفق ما ينص عليه الفصل 30 من الميثاق الجماعي لسنة 1976 وذالك داخل أجل مدته شهران من يوم إحالته عليها
           ويجب على الرؤساء تلك المجالس أن يوجهوا مقترحات جماعتهم إلى الإدارة بالتعمير أو إلى الوكالة الحضرية لدراستها بمشاركة المجالس الجماعية. غير أنه في حالة انصرام الأجل المذكور دون أن تبدي تلك المجالس عن رأيها في شكل اقتراحات أو ملاحظات فيعتبر ذالك بمثابة موافقة ضمنية على مشروع التصميم.
الفقرة الثانية : الأثار المترتبة عن تصميم التنطيق
           و كما هو ملاحظ فبعد نشر النص المصادق به على تصميم التنطيق في الجريدة الرسمية يصبح التصميم ساري المفعول على المجال الترابي  الذي يغطيه’ومدة سريان مقتضاياته سنتان من تاريخ النشر’ويصبح استعمال الأرض والعقارات ابتدءا من هدا التاريخ خاضعا لما ينص عليه تصميم فلا يجوز القيام بانجاز البنايات إلا في المناطق التي يسمح فيها بالبناء وكما لا يجوز إقامة التجزئات إلا في المناطق المفتوحة للعمران والتي يجب على أصحابها تزويدها بالتجهيزات التي ينص عليها القانون رقم 25.90
المتعلق بالتجزئات العقارية.
            وبالتالي فالعمارات تشيد في المناطق المسموح لها بها كما أن المباني تبنى في الأحياء المخصصة لها نفس الشيء بالنسبة للمؤسسات المصنفة فتخصص لها منطقة تدعى المنطقة الصناعية كما تخصص منطقة للأنشطة الأخرى.
           والإدارات العمومية هي بدورها ملزمة باحترام التخصيص الذي قام به التصميم في ما يخص المنشئات وتطلب رخصة البناء أو رخصة التجزئة لا فرق في ذلك بينها وبين الأفراد العاديين’ ومطابقة المشاريع المقترحة التي ستقام عليها حيت يجب أن تمنح رخص البناء السكنى داخل المنطقة المخصصة للسكن وكذلك الشأن بالنسبة للمناطق الصناعية والتجارية...
           وتجدر الإشارة إلى أن كثيرا من تصاميم التنطيق انتهت مدة سريانها القانونية بمرور سنتين بعد المصادقة عليها وبالرغم من ذلك نجد أن السلطات تستمر في تطبيق مقتضياتها إزاء المواطنين والإدارات العمومية. ولعل السبب في ذ لك يعود إلى الفراغ الذي يحصل نتيجة عدم الانتهاء من تصميم التهيئة و بالخصوص عدم المصادقة عليه لأن مشرع ظهير 1952 اعتقد أن مدة إعداد تصميم التنطيق كافية لوضع تصميم التهيئة والمصادقة عليه غير أن التطبيق أضاح عن خطأ هدا الاعتقاد مما أدى إلى نمو السكن العشوائي ليس فقط في خارج المدار الحضري بل داخله كذلك.
        وبإمكان القانون الجديد المتعلق بالتعمير أن يصحح هذا الخطأ بملأ الفراغ التنظيمي بفضل المخطط التوجيهي لتهيئة العمرانية الذي يتم إعداده قبل تصميم التنطيق والذي يبقى ساري المفعول بعد انقضاء المدة القانونية لهذا الأخير والى الأمد البعيد’ فحسب المادة العاشرة يمكن رفض الإذن لانجاز كل مشروع تجزئة أو بناء مجموعة سكنية أو مشروع بناء في المناطق العمرانية الجديدة التي يفتحها هذا المخطط إلا إذا كانت لا تتنافى والأحكام المقررة فيه والمتعلقة بالأغراض العامة المخصصة لها الأراضي الواقعة فيها.
خاتمة :
يتبين أن مجال التعمير مجال دقيق ويحتاج إلى عدة دراسات وأبحاث ولاسيما وأنه يرتبط بجوانب حيوية في المجتمع’شأن التنمية العمرانية وتأهيل البلاد عمرانيا.
ونستنتج آدا من خلال دراستنا لهذا الموضوع أن الجماعات المحلية خاصة ورؤساؤها إلى جانب السلطة المحلية واللامركزية المكلفة بالتعميرالتي تلعب دورا رئيسي في مجال التعمير’ إلى جانب وثائق التعمير سواء تلك التي تتعلق بالمخطط التوجيهي للتهيئة العمرانية ’ أو تصميم التنطيق أو تصميم التهيئة والتي تساهم بشكل كبير وفعال إن هي احترمت من قبل الكافة في النهوض بالمجال السكاني’ والعمراني والمعماري ببلادنا’ إذ يعد هذا الأخير أداة تقنية للقضاء على أحياء الصفيح والسكن العشوائي أو ما يعرف بالسكن الغير اللائق الذي يشوش على المجال العمراني.
وتحقيقا لهده المرامي نص قانون التعمير والمراسيم التطبيقية له’ والقوانين الأخرى التي تتقاطع معه’ كقانون التجزئات العقارية والمجموعات السكنية وتقسيم العقارات على قواعد دقيقة ومحددة’ فضلا على أنه نص على عقوبات ذات طابع إداري وزجري (مالية وعينية )في حالة مخالفة هذه الضوابط.
وبالتالي فوثيقة تصميم التنطيق  تعد من أهم وثائق التعمير التي سعى المشرع من خلالها إنجاح سياسة تهيئة المجال وتحقيق التنمية المستدامة بمختلف جهات المملكة ’ فعليه أن يحكم إعدادها وتطبيقها بترسانة قانونية جد صارمة ومحكمة تضمن سير وترابط مختلف وثائق التعمير وتأسيس تهيئة عمرانية سليمة وخالية من مظاهر العشوائية التي تعرفها بعض المناطق ببلادنا.