:مقــــــــــدمة
تحتل نظرية الالتزام مكانة هامة في علم القانون، بل يمكن القول دون مبالغة أنها تحتل أهم مكانة، فهي من القانون المدني، بل و من القانون عامة، و بمثابة العمود الفقري من الجسم، كذلك فإن هذه النظرية تحتل مكانة هامة من الناحية العملية، نظرا لاستناد أحكامها إلى العقل و المنطق، فكثير من الحلول التي تصفها هذه النظرية يمكن أن تستخلص بالتفكير السليم للفرد العادي، وإذا كان الالتزام يشكل نظرية، فمن المسلم به أن يستند واضعوها ومبلوروها على خلفية تعتبر الإطار المرجعي لأفكارهم، والتي قد تكون إما اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية أو أدبية، حيث أن العوامل الأدبية/المعنوية في نظرية الالتزام تقتضي بأن الغش يفسد العقود، و أيضا عدم التعسف في استعمال الحق، و المبدأ القاضي بأنه لا يجوز الاتفاق على ما يخالف النظام العام و الآداب العامة، كل هذه النظريات متشبعة بالروح الأدبية التي تقوم على أساس معنوي، كذلك فإن الالتزامات الطبيعية و الالتزام بالتعويض عن العمل الضار، و التزامات الجوار و التزامات أفراد الأسرة بعضهم نحو بعض تنبع كلها من اعتبارات مستمدة من الأخلاق الحميدة و الآداب العامة، كلها التزامات يعترف بها القانون ويضع لها نوع من الجزاء بحيث تمتزج المثل الأدبية بالقواعد القانونية و تصبح شيئا واحدا.وإذا كانت نظرية الالتزام هي محور تنظيم القانون المدني، خاصة بمقتضى قانون الالتزامات والعقود،
هذا القانون الذي يحكم مختلف المعاملات ذات الطابع المالي التي تنشأ بين الأفراد داخل المجتمع، فإن الجانب الاقتصادي يعتبر من بين الخلفيات التي ترتكز عليها نظرية الالتزام، ليس هذا فقط بل كذلك الشق الاجتماعي من منطلق أن المجتمع هو الوسط الذي تنشأ فيه هذه المعاملات، ولا يفوتنا التنصيص على التطورات التكنولوجية التي لم يجد هذا القانون بدا من أخذها بعين الاعتبار في جعل قواعده القانونية مواكبة له، فما هي إذا، تجليات و مظاهر تأثير العوامل المعنوية على نظرية الالتزام؟ و بعبارة أخرى، هل كان للعامل المعنوي وقع على نظرية الالتزام؟ و هل استطاعت العوامل المعنوية أن تأثر فعلا في الالتزام مند نشوئه و إلى غاية انقضائه؟ و ما هي مظاهر هذا التأثير على ضوء التطورات الاقتصادية والاجتماعية والتكنولوجية؟
و على هذا الأساس سنحاول تسليط الضوء على بعض النقط المرتبطة بهذه التساؤلات، من خلال تصميم الموضوع وفق التقسيم الآتي:
المبحث الأول: تجليات تأثير العامل المعنوي على نظرية الالتزام
المبحث الثاني: مظاهر تأثير العامل المعنوي على نظرية الالتزام على ضوء التطورات الاقتصادية والاجتماعية والتكنولوجية
المبحث الأول: تجليات تأثير العامل المعنوي على نظرية الالتزام
تظهر تجليات العامل المعنوي في نظرية الالتزام مند نشوئه (المطلب الأول) إلى غاية انقضائه، وما بينهما قد تلحقه بعض الأوصاف التي تغير من ملامحه، و في الأحوال العادية فإن العلاقة تبقى محصورة بين الأطراف المنشئة للالتزام، إلا أن الوضع لا يكون كذلك في بعض الحالات الأخرى، إذ أن الالتزام قد ينتقل إلى الغير عن طريق الحوالات و الإنابات القانونية(المطلب الثاني).
المطلب الأول: مظاهر تأثير العامل المعنوي على إنشاء الالتزام
يمكن أن تنشأ الالتزامات من خلال مصدرين أساسيين، أولهما الالتزامات ذات الطبيعة الإرادية أو ما تسمى بالتصرفات القانونية، و لعل أهمها تلك التي تنشأ بإرادتين و التي تصلح أساسا لإبراز دور العامل المعنوي عند إنشائها (الفقرة الأولى)، أما النوع الثاني فتسمى بالوقائع القانونية التي تتمثل في المسؤولية التقصيرية و الإثراء بلا سبب، لكن الحديث عن وقع العامل المعنوي في الوقائع القانونية تدفع لمعالجة تجلياته في ظل المسؤولية التقصيرية (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: وقع العامل المعنوي على العقد
إن نظرية العقد تطورت عبر الزمان، مما أفرزت إمكانية اتخاذ تقسيمات جديدة لها من ناحية الطابع الحمائي الذي تقوم عليه، حيث يمكن تقسيمها إلى عقود تقليدية (أولا)، و إلى عقود حديثة يمكن أن يطلق عليها بعقود الاستهلاك (ثانيا)،
أولا - من حيث العقود التقليدية:
لكي ينشأ العقد صحيحا فإنه يتعين فيه أن يكون مستجمعا لعناصره الجوهرية التي يقوم عليها، فهو بمثابة البناء الذي لابد له من أركان يؤسس عليها، و قد أشار المشرع المغربي لهذه الأركان في الفصل الثاني من ق.ل.ع، و إذا ما نظرنا في تلك الأركان يمكن القول أنها جاءت لحماية الطرف الأخر المقبل على العملية التعاقدية، حيث تعتبر كصمام أمان له تحميه من كل ما من شأنه أن يزعزع العلاقة التعاقدية، بغية تحقيق نوع من التوازن المفترض، و على هذا الأساس يلزم لصحة التراضي كركن في العقد أن يكون المتعاقد أهلا للالتزام، و يتحقق ذلك باستكماله السن القانوني الذي حدده المشرع كسقف للرشد، بشرط أن يكون ذلك موازيا لاكتمال القوى العقلية لهذا الفرد أثناء التعاقد.
فالمشرع المغربي اعتبر أن تصرفات عديم الأهلية تكون باطلة بطلانا مطلقا و لا تنتج أي إثر، و قد حددت المادة217 و المادة 224 من مدونة الأسرة هذا الحكم، بينما ناقص الأهلية تكون تصرفاته تخضع للأحكام المنصوص عليها في المادة 225 من مدونة الأسرة، عبر نفاد التصرفات النافعة نفعا محضا و بطلان الضارة منها، أما تلك المتأرجحة بين النفع و الضرر فالأصل فيها الجواز إن جلبت المصلحة، و الإبطال بطلب من نائبه إن كانت في مصلحة من تعاقد مع ناقص الأهلية، فهاته الأحكام العامة للتعاقد تعكس ما مدى الطابع الحمائي الذي بنيت عليه لحماية الطرف الضعيف في العلاقة التعاقدية.
و لما كان التعبير عن الإرادة يتعين فيه أن يكون صادرا عمن هو أهل لإجراء التصرف القانوني، فإن هذا التعبير لا يعتد به إلا إذا كان نابعا عن إرادة حرة غير مدفوعة إلى إبرام الالتزام، تحت وطأة الإكراه أو التدليس أو نتيجة لغلط أو غبن استغلالي، و هو ما جعل كل التشريعات تتدخل لحماية الأطراف الذين تهتز إرادتهم و تصبح في وضعية معيبة لحمايتها، فتقرر إبطال العقد إذا كان منشئ على عيب أصاب إرادة أحد أطرافه، و لما كانت المصلحة المحمية في حالة الإبطال تقتصر على الطرف المضرور دون سواه، فإن حق التمسك بالإبطال سيكون من نصيب من تقرر الإبطال لمصلحته، من ثم فحماية التراضي هو وسيلة لفرض العدالة العقدية.
و تظهر تجليات العامل المعنوي أيضا، من خلال ما نص عليه المشرع المغربي في الفصل 51 من ق.ل.ع أنه :" الخوف الناشئ عن الاحترام لا يخول الإبطال إلا إذا انضمت إليه تهديدات جسيمة أو أفعال مادية"، و بالتالي فإن حالة الخشية الأدبية لا يعتد بها إلا إذا انضمت إليها عناصر مادية تفيد الضغط و الإجبار، فإن هذه الخشية المقرونة بالضغط تتحول إلى إكراه حقيقي يخول للمضرور إمكانية المطالبة بإبطال التصرف.
كما يعد شرط المشروعية في المحل من أهم الشروط التي يتعين توافرها فيه، و التي ترتبط ارتباطا وثيقا بعدم مخالفة قواعد النظام العام سواء كانت قانونية أو اقتصادية أو اجتماعية، و ما يقال عن النظام العام يقال أيضا عن و الآداب العامة ، حيث يتعين في المحل ألا يكون مخالفا للآداب والأخلاق الحميدة التي يتوجب على عامة الناس احترامها و إلا كان العقد باطلا، و ذهب الفقه الفرنسي إلى أن بطلان العقد نتيجة عدم مشروعية المحل، يجد مبرره في ضرورة تحقيق المصلحة العامة، كما يتضح ذلك من مقتضيات الفصل السادس من القانون المدني الفرنسي، الذي نص على ما يلي:" لا يسوغ للاتفاقات الخاصة أن تخالف القوانين التي هي من النظام العام، و الأخلاق الحميدة"، و المقصود بمشروعية المحل، أن يكون محل العقد غير مخالف للنظام العام و الأخلاق الحميدة أو الآداب العامة.
كما نص المشرع في الفصل 62 من ق.ل.ع على ما يلي:" الالتزام الذي لا سبب له أو المبني على سبب غير مشروع يعد كأن لم يكن و يكون السبب غير مشروع إذا كان مخالف للأخلاق الحميدة أو النظام العام أو القانون"، فالمشرع المغربي كباقي التشريعات الأخرى ربط بين ركن السبب والمشروعية، و تنص الفقرة الثانية من الفصل 306 من ق.ل.ع على ما يلي:" الالتزام يكون باطلا بقوة القانون: -1إذا كان ينقصه أحد الأركان اللازمة لقيامه، ....." و عليه فإن السبب غير المتوفر على شرط المشروعية يكون باطلا، و لما كان البطلان في أصله يتقرر بهدف حماية مصلحة عامة تهم الجميع، فإن التمسك بالبطلان لا يقتصر على المتعاقد المتضرر فقط، و إنما يحق إثارة هذا البطلان من طرف الغير الذي لم يكن طرفا في العقد، كما يحق للمحكمة أن تثيره بصورة تلقائية و لم يطلبه الطرف المضرور، و يرجع السبب في تمديد حلقة الأشخاص الذين يحق لهم إثارة البطلان، إلى كون هذا الأخير له علاقة مباشرة بالنظام العام و المصلحة العامة.
فكل هذه المقتضيات و غيرها و التي جاءت بها التشريعات المدنية عبر نظرية البطلان الإبطال للالتزامات التي يختل معها توازن المشروعية، تصب في خندق وحيد ذو اعتبارات أخلاقية و مطالب معنوية، تعكس عدم صحة الاتفاق الذي يخالف النظام العام و الآداب العامة و أيضا الأخلاق الحميدة.
ثانيا- من حيث عقود الاستهلاك:
إن هاجس الرغبة في حماية المستهلك هو الذي دفع المشرع بمقتضى القانون رقم 31.08 القاضي بتحديد تدابير لحماية المستهلك، إلى جعل التعاقد غير لازم للمستهلك في حدود الإمكانيات التي تنظم هذا الإجراء، و إخضاع بعض العلاقات التعاقدية لتنظيمات آمرة تفرضها المصلحة العامة، حماية منها للطرف الضعيف في بعض العقود، حيث منح المشرع للمستهلك كطرف ضعيف في العلاقة التعاقدية خيار الرجوع خلال فترة زمنية محددة حددتها المادة 36 من القانون المذكور، و تمكين المستهلك من مهلة للتفكير، و يجد هذا الإجراء أساسه في تقرير المزيد من الضمانات للمستهلك، باعتباره الطرف الضعيف في العلاقة التعاقدية، عبر تمكين المستهلك من مهلة للرجوع بهدف تعزيز حماية رضا المستهلك، و بالنظر لأهمية هذا الالتزام فإن المشرع المغربي قد أخد بخيار الرجوع بمقتضى القانون رقم31.08 و إن كان قد اقتصر على بعض العقود.
فالمشرع المغربي بإقراره لهذه المنظومة القانونية الحمائية، تجاوز حدود الحماية التقليدية المنصوص عليها في ق. ل.ع، مستجيبا في ذلك للمعايير و التوجهات المتعارف عليها دوليا، و التي تعاملت مع المستهلك كطرف ضعيف يحتاج لحماية استثنائية تقيه من تعسفات و تجاوزات المهنيين، عبر التزام المهني بإعلام المستهلك و تبصيره، حيث أن هذا الالتزام لم يعد واجب أخلاقي عام يساعد على إتمام العقد في ظروف حسنة، بل أصبح في ظل التطورات التشريعية الحالية بمثابة التزام قانوني أساسي مشمول بجزاءات و عقوبات مالية، كفيلة بردع كل الخروقات المتعلقة بعدم احترام المهني لواجب الإعلام في مرحلة ما قبل و ما بعد العقد، كل هذه الضمانات التي جاء بها المشرع لحماية فئة المستهلكين، كانت استجابة لمطالب معنوية أخلاقية كونية تهدف إلى حماية الطرف الضعيف المتعاقد.
و قد بدأ القضاء المغربي فعلا في تطبيق المقتضيات الخاصة بالالتزام بالإعلام بمجرد صدور قانون حماية المستهلك، و يمكن الإشارة إلى القرار الصادر عن محكمة النقض المغربية بتاريخ 25 أكتوبر 2011، حيث ألزمت هذه الأخيرة الطبيب بإعلام المريض و تبصيره بكافة الأخطار و العواقب التي قد تنتج عن العملية الجراحية و مدى احتمال نجاحها من عدمه و نسبة ذلك.
كما يعد القانون الفرنسي الصادر في 1978/01/10 المتعلق بحماية و إعلام المستهلك، بمثابة النواة الأولى التي أدت إلى توالد الكثير من النصوص التشريعية الهادفة إلى حماية المستهلك، كما تعتبر مدونة الاستهلاك الفرنسية الصادرة بتاريخ 26 يوليوز 1993 أهم قانون منظم لحماية المستهلك، و بمقتضى القانون المؤرخ في فاتح فبراير 1995 المتعلق بالشروط التعسفية في مجال العقود، كييف المشرع الفرنسي نصوصه التشريعية مع توجهات المفوضية الأوربية المتعلقة بالشروط التعسفية الواردة في القانون المؤرج في 1993/04/05 .
و قد منح المشرع المغربي للمحكمة إمكانية التخفيف من حدة الشروط التعسفية في العقود الاستهلاكية، كما أن منع الإشهار الكاذب و المضلل للمستهلك بمقتضى المادة 21 من القانون رقم31.08 جاء لحماية رضا المستهلك، مما يؤكد حرص المشرع على محاربة الإشهار الكاذب، من هنا نستشف أن الفلسفة العامة لجل القوانين التي جاء بها التشريع لحماية المستهلك، ترمي بالأساس إلى حماية الطرف الضعيف في العلاقة التعاقدية، و هي مطالب كونية ذات خلفيات أدبية وأخلاقية بالخصوص.
الفقرة الثانية: تجليات العامل المعنوي في مجال المسؤولية التقصيرية
إن الالتزام القانوني بتعويض الضرر القائم على أساس الخطأ في مجال المسؤولية، يعتبر بمثابة التزام معنوي بعدم الإضرار بالغير( أولا )، كما أن نظرية عدم التعسف في استعمال الحق جاءت نتيجة مطالب معنوية أيضا تهدف إلى تحقيق نوع من التوازن بين المصالح الخاصة( ثانيا ).
أولا- الالتزام القانوني بتعويض الضرر:
متى اكتملت عناصر المسؤولية وجب التعويض الجابر للضرر و محو آثاره على قدر الإمكان، و حق المتضرر في التعويض إنما ينشأ عن العمل غير المشروع الذي اقترفه المسؤول، و من ثم يترتب في ذمته هذا الالتزام بالتعويض من وقت اكتمال أركان المسؤولية، فالضرر يعتبر أساس المسؤولية المدنية عموما و المسؤولية التقصيرية على وجه الخصوص، أي يعتبر عنصر الضرر أساسيا في جميع أنواع المسؤولية المدنية، كما أن الضرر القابل للتعويض قد يكون ماديا أو معنويا، حيث أن غالبية التشريعات المدنية المعاصرة - القانون المدني المصري، قانون الموجبات و العقود اللبناني، القانون المدني الأردني- أصبحت تسوي بين الضرر المادي و المعنوي من حيث ضرورة التعويض عنها، من ذلك ق.ل.ع المغربي الذي أقر هذا المبدأ في الفصلين 77 و78.
فالضرر المعنوي الذي يتحمله الشخص بالارتداد في حالة وفاة الضحية المباشر، يخوله حق الاستفادة من رفع الدعوى، حيث أن حق المطالبة بالتعويض يعتبر أمرا غير قابل للمناقشة، غير أن ذلك يثير على المستوى العملي بعض الإشكاليات، من قبيل كون الأشخاص الذين يتألمون في أحاسيسهم هم أكثر بكثير من أولئك الذين تم المساس بمصالحهم المالية، فالصديق العزيز يمكن أن يتألم أكثر من الأب و الأم بذلك، فإن مسألة تحديد أصحاب الحقوق تعتبر أمرا لازما، و قد قامت محكمة النقض الفرنسية مند مدة، لاسيما في قرارها الصادر عن غرفها المجتمعة بتاريخ 27 فبراير 1970، بتحديد معيار يتمثل في ضرورة وجود علاقة أبوة أو مصاهرة بين الضحية المباشر و الضحية بالارتداد، وعلى هذا الأساس فإن الالتزام القانوني بتعويض الضرر يعتبر بمثابة تعبير عن الالتزام المعنوي بعدم الإضرار بالغير.
لكن هناك مجموعة من الشروط التي ينبغي أن يستجمعها الضرر من أجل تعويضه، و منها نجد الشرط القائم على أن يصيب الضرر مصلحة مشروعة للمتضرر، بحيث لا يمكن أن يكون الضرر محلا للتعويض إلا إذا مس مصلحة مشروعة، فإذا كانت المصلحة التي تم المساس بها غير مشروعة، كأن تكون مخالفة للنظام العام أو الآداب العامة، فإن عنصر الضرر غير موجود قانونا، و بالنظر لارتباط هذا الشرط بفكرة النظام العام و الأخلاق الحميدة، فإن مداه سيتغير من مجتمع لآخر، بحسب القيم السائدة في كل واحد منها، فقد اعتبر القضاء الفرنسي أن الضرر الذي لحق بالخليلة جراء وفاة خليلها بمثابة ضرر مشروع، ومن ثم أقر لها الحق في التعويض، أما بالنسبة للوضع في المغرب فإن القضاء رفض سماع دعوى تعويض الضرر الذي تتعرض له الخليلة جراء فقدانها لخليلها، على اعتبار أنه يصيب مصلحة غير مشروعة.
و بالتالي فإن إقرار التشريعات بالتعويض عن الضرر المعنوي جاء استجابة لمطالب معنوية، و تكريسا للطابع الحمائي التي تقوم عليه مختلف القواعد القانونية المبنية على الأخلاق الحميدة و الآداب العامة وحماية النظام العام.
ثانيا- عدم التعسف في استعمال الحق:
إن التعسف في استعمال الحق ما هو إلا مظهر من المظاهر التي يتجسد فيها الخطأ التقصيري، والتي يترتب عنها ضرورة إصلاح الضرر المترتب عن كل تعسف، و للتعسف في استعمال الحق أكثر من مظهر قانوني، سواء في الميدان المدني أو في ميادين أخرى، فيعتبر الشخص متعسفا في استعمال حقه إذا كان لا يقصد من وراء هذا الاستعمال إلا مجرد الإضرار بالغير، و قد أقر المشرع المغربي ذلك في الفصل 94 من ق.ل.ع، إذ أن المفهوم المخالف لهذا النص يدل على ترتيب المسؤولية على من يستعمل حقه بقصد الإضرار، و هكذا اعتبر القضاء تعسفا للمالك الذي استعمل حقه دون حيطة فنحرف بذلك عن السلوك المألوف للشخص العادي و أضر بالجار ضررا بليغا، و يكون استعمال الحق غير جائز في أحوال بينها الأستاذ الفصايلي الطيب.
كما أكد الإعلان الفرنسي لحقوق الإنسان لسنة 1789 إلى أنه ليس من حق أي شخص أن يحدث ضررا للغير، و هو ما كرسته المادة 1382 من القانون المدني الفرنسي، و الفصل 77 من ق.ل.ع المغربي، و من مظاهره نجد التزام الجوار حيث تناوله المشرع المغربي في الفصليين 91 و 92من ق.ل.ع، و التي تتعلق بمضار الجوار أو الجيران، كما تناول المشرع المغربي العديد من الأحكام المتعلقة بمضار الجوار، فموضوع مضار الجوار حضي بعناية خاصة من قبل الفقه و القضاء، فبالرجوع للقضاء المغربي فقد صدر عن محكمة النقض المغربية بتاريخ 25 مارس 2014قرار ذهبت فيه إلى وجوب رفع الضرر الناتج عن بناء جدار في أرض خاضعة لتصميم التهيئة العمراني، و تقول القاعدة الشرعية القطعية أن لا ضرر و لا ضرار و لا يجوز الإضرار بنفس الغير أو ماله بدون وجه حق مشروع، و إذا حصل الضرر و رتب آثاره تعين إزالته رضاء أو قضاء و فقا للقاعدة الثابتة الضرر يزال، و هو ما صارت على نسقه محكمة النقض المغربية في قرار لها صدر بتاريخ 2 يوليوز2008، يقضي بضرورة الحسم في إزالة الضرر، كما تطرق المشرع المغربي للتعسف في قانون حرية الأسعار و المنافسة في المادة السابعة من القانون رقم 104.12 فيما سماه بالاستغلال التعسفي، وجاء في قرار لمحكمة الاستئناف التجارية بالدار البيضاء بعد نقضه وإحالته الصادر بتاريخ 2012/04/05 بأن فعل المنافسة غير المشروعة يستوجب الحكم بالتعويض لفائدة المتضرر من هذا الفعل، شريطة أن يتم إثبات هذا الضرر و مدى جسامته و تأثيره على نشاط المتضرر.
كما تناول المشرع المغربي التعسف كمظهر من مظاهر الخطأ التقصيري في مجال الملكية الصناعية، بمناسبة تعرضه للمنافسة غير المشروعة، حيث خول للمتضرر من هذه الأعمال المطالبة بتوقفها أو الحصول على تعويض، طبقا للمادة 185 من القانون رقم 17.97.
و على هذه الأساس يمكن القول أن هذه النظرية ظهرت و ترعرعت في أحضان التشريعات الوضعية، من خلال ضغط التيار المعنوي أو الأدبي المطالب بتحقيق جوا من التعايش السلمي المبني على تغليب النزعة الاجتماعية القائمة على التضامن و الأخلاق الحميدة.
المطلب الثاني: مظاهر تأثير العامل المعنوي على أحكام الالتزام
إن القواعد التي تحكم الالتزام بعد وجوده تعد أكثر تجريدا من مصادره، ففيها يدرس الالتزام في ذاته مجردا من مصادره، لكن في جوهره يظهر تأثير العوامل الأدبية و المعنوية عليه، و التي من خلالها تجعل للالتزام طريقا يهتدي إليها، سواء من حيث آثاره أو أوصافه (الفقرة الأولى)، أو من حيث انتقاله أو انقضائه (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: وقع العامل المعنوي على آثار و أوصاف الالتزام
إن الاعتبارات الأخلاقية و مبدأ حسن النية نجدها أيضا في مختلف المراحل التي يمكن أن يمر منها الالتزام، سواء فيما يخص الوصف الذي يمكن أن يتخذه ( ثانيا)، أو من خلال الآثار التي يمكن أن تنتج عنه (أولا).
أولا - تجليات العامل المعنوي على آثار الالتزام:
لا شك أن الأثر المباشر للالتزام هو وجوب تنفيذه، حيث أن الالتزام إذا ما نشأ أنتج آثره عبر تنفيذه، و يتم تنفيذ الالتزام بأداء موضوعه أي القيام بعمل أو الامتناع عنه أو إعطاء شيء، حيث إن الالتزام الملقى على عاتق المدين بتنفيذه ما هو إلا تطبيق للالتزام المعنوي القاضي بضرورة احترام عهده أو التعبير الصادر عنه، كما تعد الالتزامات الطبيعية من قبيل الالتزامات الأدبية التي تفرضها مطالب معنوية أولا، ثم يتدخل فيها القانون بقدر محدود فيعترف بها باعتبارها مديونية بلا مسؤولية و يسلم فيها التنفيذ الاختياري دون الجبري.
ويعتبر مبدأ حسن النية في تنفيذ التعهدات و الالتزامات من المبادئ الأساسية في القانون، و مظهر من مظاهر تأثير العامل المعنوي على آثار الالتزام، كما ذلك أن تنفيذ العقد بحسن نية و تطبيقه بنوع من الوفاء La Loyauté والتعاون La Coopération، الأمر الذي لن يؤدي إلى أي نزاع من شأنه أن يفسخ العقد و يظهر هذا المبدأ جليا في البيوعات العقارية، حيث أن مكتسب العقار ذو النية الحسنة لا يتأثر بالإبطال الذي قد يطال التصرف المنشأ للحق و الذي اكتسبه على أساسه العقار، فحسن النية يقتضي وجوب تعاون المدين و الدائن في تنفيذ الالتزام، فلا يفرض حسن النية على المدين فقط في تنفيذ التزامه بل و على الدائن في استعمال حقه أيضا، و تقتضي حسن النية أن ينفد الالتزام بالطريقة التي تفرضها الأمانة و النزاهة في المعاملات، و لقد قامت فكرة حسن النية في تنفيذ الالتزام بدور مماثل لدور النظام العام و الآداب العامة و الأخلاق الحميدة، و قد نص المشرع المغربي في الفصل231 من ق.ل.ع على أن:" كل تعهد يجب تنفيذه بحسن نية"، الذي يحث على ضرورة تنفيذ العقود بحسن النية، وهو لا يلزم بما وقع التصريح به فحسب، بل أيضا بكل ملحقات الالتزام التي يقررها القانون أو العرف أو الإنصاف وفقا لما تقتضيه طبيعته، و يفرض حسن النية في تنفيذ العقد أن على كل متعاقد أن يتحرى الدقة و التوازن في حفظ الرابطة القانونية و أن تسود الاستقامة و حسن السلوك في المعاملات، و كل خروج عما يفرضه المنطق السليم يعتبر سوء النية.
إن إقرار المشرع المغربي مجموعة من القواعد القانونية الرامية إلى حماية الطرف ذو النية الحسنة في العلاقة التعاقدية، نابع من حماية الجهة التي تقيم تعهداتها على أسس نبيلة مبنية على النزاهة و الصدق، كما أن المشرع أيضا نص على أن مبدأ حسن النية في المعاملات هو الأصل، لاعتبارات جمة منها ما يتعلق بتشجيع الأفراد على الدخول في العلاقات التعاقدية، و منها ما يتعلق بأن سلوك الأفراد في أصله سلوك سوي مبني على الثقة و النزاهة و حسن النية، و الاستثناء هو الخروج عن هذا المبدأ، و هو ما أقرته التشريعات باعتبار أن حسن النية يفترض دائما و على من يدعي نقيضه أن يثبت ذلك، و هو ما نص عليه المشرع المغربي في المادة 477 من ق.ل.ع و التي جاء فيها ما يلي:"حسن النية يفترض دائما ما دام العكس لم يثبت"، و من تم فإن الغير حسن النية يحق له التمسك بالعقد الحقيقي و يطالب بما ينتج عنه من الحقوق و اعتبار العقد الصوري غير موجود، و عليه فإن المشرع تدخل لحماية الغير أيضا ذو النية الحسنة في العقود الصورية.
ثانيا: تجليات العامل المعنوي على أوصاف الالتزام
الأصل أن ينشأ الالتزام مستحق الأداء بين شخصين بمجرد أن تحقق أركانه و شروطه، غير أن الالتزام قد ينشأ باستثناء من ذلك الأصل موصوفا بوصف من الأوصاف يعدل نظامه القانوني، والأوصاف التي تلحق بالالتزام، إما أن تمس وجوده أو نفاذه، و تظهر تجليات العامل المعنوي على الخصوص في الشرط، حيث يجري سياق الفصل 108 من ق.ل.ع على ما يلي:" كل شرط يقوم على شيء مستحيل أو مخالف للأخلاق الحميدة أو للقانون، يكون باطلا و يؤدي إلى بطلان الالتزام الذي يعلق عليه، و لا يصير الالتزام صحيحا إذا أصبح الشرط ممكنا فيما بعد"، و عليه فالقيام الشرط على وجه سليم يجب أن يكون مشروعا، أي غير مخالف للنظام العام و الآداب.
أما القانون المدني الفرنسي فقد نصت المادة1172 على أن:" الشرط المستحيل أو المخالف للنظام العام أو الآداب العامة أو الذي يحرمه القانون باطل و يترتب عليه بطلان الالتزام الذي يعتمد عليه"، كما نص المشرع المغربي في الفصل 123 من ق.ل.ع على أن:" تحقق الشرط لا ينتج أي أثر، إذا حصل بتدليس ممن كانت له فيه مصلحة"، و بذلك جعل المشرع الشرط القائم على أعمال احتياله كأنه لم يكون، حماية منه للطرف المتضرر من عملية التدليس، و تكريسا للمطلب المعنوية الذي يحث على قيام الروابط القانونية على أسس صحيحة غير مخالفة للآداب العامة و الأخلاق الحميدة.
كما نجد المشرع المصري ينص في المادة 149 من القانون المدني المصري على أنه:" إذا تم العقد بطريق الإذعان و كان قد تضمن شروطا تعسفية جاز للقاضي أن يعدل هذا الشرط أو أن يعفي الطرف المذعن منها و ذلك وفقا لما تقضي به العدالة، و يقع باطلا كل اتفاق على خلاف ذلك"، و بذلك فإن التشريعات تدخلت و منحت القضاء إمكانية محو أثار الشرط التعسفي، كما صدر عن المجلس الأعلى قرار مبدئي بتاريخ 10أبريل1991 الذي خول فيه لمحكمة الموضوع إمكانية تعديل الشرط الجزائي إذا كان مبالغا فيه، الأمر الذي كان له تأثير إيجابي في حمل المشرع على مراجعة مضمون الفصل 264 من ق.ل.ع بإضافة فقرة ثانية تمكن القاضي من ممارسة هذا الدور،
ومما يمكن إضافته في هذا الشق المتعلق بتأثير العامل المعنوي على أوصاف الالتزام، هو أنه إذا كان المشرع المغربي قد جعل التضامن بين المدينين لا يفترض في المادة المدنية اللهم إلا إذا نتج صراحة من السند المنشئ للالتزام أو القانون أو كان النتيجة الحتمية لطبيعة المعاملة ، فقد فرضه بقوة القانون في الالتزامات التجارية بمقتضى الفصل 165 من ق. ل. ع. و الفصل 335 من مدونة التجارة المغربية، وذلك من أجل دعم مبدأ الثقة والائتمان التجاريين، استجابة للمطلب المعنوي في نفس الدائن، وذلك بتمكينه من استيفاء دينه عند الحلول لتميز المجال التجاري بالسرعة في المعاملات، فضلا عن تيسير أمور الوفاء بالنسبة للمدين الذي قد لا تكون ذمته المالية مليئة كفاية لتسديد مبلغ الدين .
أما فيما يتعلق بالأجل، يمكن القول على أن هذا الوصف للالتزام يمكن أن ينشأ بمقتضى الاتفاق، حيث أن هذه الوصف ما هو إلا تطبيق لذلك الواجب الأخلاقي، الذي يؤسس في ضمير الدائن من أجل تيسير عملية الوفاء على المدين أو المدنين و التخفيف عليهم من حدته، حيث يستوي أن يكون الدائن هو المبادر إلى إنشاء الوصف أو قابلا له.
الفقرة الثانية: وقع العامل المعنوي على انتقال أو انقضاء الالتزام
سنحاول في هذه الفقرة استحضار بعض العناصر التي تخص انتقال الالتزام (أولا) ثم انقضائه (ثانيا)، و التي لها أبعاد معنوية تقوم عليها.
أولا - مظاهر العامل المعنوي على انتقال الالتزام:
اقتصر المشرع المغربي على البحث بانتقال الحق دون الدين، و نظم كل ما يخص حوالة الحق وحدها في المواد من 189 إلى 227، حيث عرض للانتقال بوجه عام، ثم لحوالة حقوق التركة، ثم للحلول والإنابة،
إن الحوالة من حيث الأصل تخضع لمبادئ التعاقد العامة سواء من حيث أركانها أم من حيث إثباتها، فيكفي إذن أن يحصل تراضي المحيل و المحال له، و أن يكون كل منهما متمتعا بأهلية التصرف، و أن يكون محل الحوالة مشروعا، و أن يكون السبب الذي تعمل عليه الحوالة غير مخالف للقانون أو للنظام العام أو الآداب العامة، إن مشروعية كل من المحل و السبب في الحوالة نابع من قاعدة فقهية تعتبر أن كل من هو معدوم شرعا معدوم حسا، و عليه فإن قيام الحوالة على أسس مخالفة للنظام العام و الآداب العامة و الأخلاق الحميدة يجعلها عديمة الأثر، كما أن حوالة الحق عندما يقبل فيها الشخص بالحلول محل الدائن في استفاء الدين بدون مقابل فما ذلك إلى تعبير عن رغبة المحال له في وضع شيء من اليسر في رابطة المديونية و هو إجراء نابع من وازع أخلاقي.
كما نظم المشرع المغربي الإنابة في المواد من 217 إلى 227، و يظهر تأثير العامل المعنوي أكثر جلاء بالنسبة لهذا النوع من أنواع انتقال الالتزام في عقد الإنابة بين الأطباء، حيث أن الطبيب عندما يعمد إلى تحويل التزامه إلى طبيب آخر، فهذا نابع من الثقة التي يضعها في الطبيب الآخر الذي يعد زميلا له، وإن كان المشرع منح إمكانية أن يكون الطبيب المنيب طالبا في الطب، فإنه وضع شروطا يستلزم احترامها وفقا لما جاء به القانون رقم 94-10 المنظم لمهنة الطب، حيث أن المشرع تدخل بفرض تلك الشروط القانونية الواجب توافرها في الطبيب الطالب، إيمانا منه لما قد يتسبب به ذلك الطبيب الطالب، و أيضا ما يمكن أن تخلفه تلك الصفة من قلق و عدم الاطمئنان لكافة مرضى الطبيب المنوب عنه، لدى عمد المشرع المغربي على فرض تلك الشروط لطمئنت المتعاملين معه و منحهم مزيدا من الثقة و هو ما يكرس لنا المطلب المعنوي الغالب في هذا النوع من الإنابة.
ثانيا - مظاهر العامل المعنوي على انقضاء الالتزام:
إن مصير الالتزام حتما الزوال، و تتعدد الطرق التي ينقضي بها الالتزام، لكن الوفاء يعد مرآة لتنفيذ الالتزام بحسن النية، و الذي يعكس ذلك الهاجس المعنوي و الأخلاقي في تنفيذ التعهدات الملقاة على عاتقه، لكن للاعتداد به يستوجب توافر شروطه، و لعل أهمها أن يحمل الوفاء على سبب مشروع شأنه في ذلك شأن سائر التصرفات القانونية، و سبب الوفاء هو قضاء الدين العالق في ذمة المدين، فإذا وفى المسلم دينه المتمثل في فوائد عن قرض مدني لدائن مسلم، يعد ذلك الوفاء باطل لأن القانون يحرمه، و يجوز للمدين استرداد ما دفعه، حيث أن هذا الوفاء لا أثر له لقيامه على سبب غير مشروع و مخالف للنظام العام و الأخلاق العامة.
كما نجد أن المشرع أورد استثناء خاص بالطرف الموفي للدين، حيث يقع الوفاء صحيحا و مبرئا لذمة المدين رغم أن الموفي له هو شخص من الغير لا صفة له لاستفاء الدين، إذا تم الوفاء بحسن نية لشخص ظاهر بمظهر الدائن، و أبرز مثال على هذه الحالة الوفاء للوارث الظاهر، بمقتضى المادة 240 من ق.ل.ع:" يكون صحيحا الوفاء الحاصل بحسن نية لمن يحوز الحق كالوارث الظاهر، و لو استحق منه فيها بعد".
و تظهر تجليات تأثير العامل المعنوي على أحكام الالتزام جليا فانقضائه، و بالخصوص في الإقالة الاختيارية و الإبراء الاختياري، فبالنسبة للإقالة الاختيارية يمكن القول بأن إنهاء المتعاقدين للرابطة القانونية التي تجمع بينهما بمحض إرادتهما، دليل على انعدام إحساسهما بتلك المنفعة المجنية من بقاء الرابطة قائمة بينهما.
و إذا ما عرجنا على الإبراء الاختياري، فما يمكن أن يقال عن حوالة الحق بدون عوض، يمكن أن يقال أيضا عن هذا السبب من أسباب انقضاء الالتزام لاشتراكهما في خاصية التبرع، فالدائن بتخليه عن حقه و تنازله عنه عن طريق الإبراء يكون قد حقق مقصد أخلاقي إنساني و الذي قد يقصد منه التقرب إلى لله ، و ذلك رأفة بالمدين.
المبحث الثاني: مظاهر تأثير العامل المعنوي على نظرية الالتزام على ضوء التطورات الاقتصادية والاجتماعية والتكنولوجية:
لا يمكن نكران بأن المغرب أصبح يعيش مخاضا تشريعيا مهما خلال العقد ونصف الأخير، من أهمه ذلك الذي مس الجانب التعاقدي، خاصة بسبب التطورات التكنولوجية الحديثة التي جعلت من العقد يتجاوز طرق إبرامه الكلاسيكية إلى أخرى إلكترونية ( المطلب الأول) وتلك المتعلقة بقطاع العقار بغية مواجهة أزمة السكن التي يشهدها هذا البلد ( المطلب الثاني) مما يجعلنا نتساءل حول مدى تأثر وتأثير العامل المعنوي على الالتزام في ظل هذه التحولات الحديثة؟
المطلب الأول: العنصر المعنوي والتعاقد الالكتروني، أي وقع؟
أمام الثورة المعلوماتية التي يشهدها العالم في خضم ما أصبح يصطلح عليه " بالعولمة "، ظهرت مجموعة من الوسائل الإلكترونية التي أضحت تيسر بشكل كبير، جملة من العمليات، سواء ما تعلق منها بالشق التواصلي، الترفيهي، بل حتى المهني، أدى ذلك إلى الزيادة من السرعة والدقة في استغلالها. والمجال الذي لم يسلم من هذه التطور التكنولوجي هو مجال التجارة، فتولد ما يطلق عليه تسمية التجارة على الخط Le Commerce en ligne التجارة الإلكترونية Le commerce électronique
وإذا كان الأصل في التجارة أنها تقوم على السرعة في إنشاء الالتزام وتنفيذه، فإن هذه السرعة ازدادت عندما أصبحت التجارة إلكترونية، الأمر الذي لن يقبل أن يتم التعاقد استنادا إلى الطريقة الكلاسيكية،
وإنما بواسطة عقد مبرم بطريقة إلكترونية().
ويمكن أن نلمس دور العامل المعنوي في تأثيره على الالتزام من منظورين اثنين، أحدهما إيجابي والآخر سلبي.
الفقرة الأولى : من جهة المبادرة إلى الالتزام:
إن العقد المبرم بطريقة إلكترونية يمكن المتعاقد من إجراء أكبر قدر من المعاملات في أقصر وقت ممكن الأمر الذي قد يدر عليه بالربح الوفير دون إهدار الوقت والجهد والمال، وذلك لما تشكله هذه الطريقة في التعاقد من سرعة في ترويج وتبادل السلع والخدمات وإتمام صفقاتها دون الحاجة إلى تنقل الأطراف وتحملهم مشقة ومصاريف ذلك، خاصة إذا لم تجمعهم نفس الرقعة الجغرافية ().
واستجابة لهذا المطلب المعنوي، تدخل المشرع المغربي على غرار التشريعات التي سبقته دوليا() ووطنيا()، في إصدار القانون رقم 53.05 المتعلق بالتبادل الإلكتروني للمعطيات القانونية الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.07.129 بتاريخ 19 من ذي القعدة 1428 ( 30 نونبر 2007 )().
وعليه، إن كان هذا المطلب المعنوي قد أثر على المشرع المغربي في إصدار هذا القانون لشيوع هذه الطريقة في التعاقد، فما تولد هذا التأثير إلا عن تلك التطورات التي عرفتها الساحة التكنولوجية.
الفقرة الثانية : من منظور التراجع عن الالتزام
ومن منظور مغاير، لا يفوتنا التنصيص على أن إمكانية التعاقد بطريقة إلكترونية، قد تخلق نوعا من انعدام الأمن والخوف والقلق، قد يجعل الفرد يفكر مليا قبل الإقدام على التعاقد في هذا المجال، وعلى وجه الدقة إذا أخذنا نصب الأعين الخطر القائم أمام الانتشار المهول للجرائم الإلكترونية كما هو الحال بالنسبة للتدمير الناجم عن الفيروس () والقرصنة الإلكترونية وغيرها من الجرائم ().
ومن وجهة نظر عقلية ونفسية، فإن الملتزم قد يفضل التعاقد بطريقة كلاسيكية مر على تنظيمها قانونيا أزيد من قرن من الزمن وذلك منذ سنة 1913 إلى يومنا هذا، إلى درجة أنه قد ترسخ في ذهنه تلك القواعد العامة التي قد توفره من كل ما من شأنه أن يهضم حقوقه، على أن يتعاقد بطريقة حديثة لم يفت على تنظيمها من الناحية القانونية سوى قرابة العقد من الزمن وذلك من سنة 2007 إلى اليوم، مما يسوغ معه القول، بأن إمكانية الشعور بالخوف والقلق، أكثر منه شعورا بالطمأنينة والأمن الذي قد يدفعه إلى التعاقد.
وأخذا بعين الاعتبار رغبة الفرد في التعاقد بهذه الطريقة كما سبق وأشرنا في الفقرة السابقة وبكيفية مؤمنة، جاء المشرع المغربي في القانون رقم 53.05 ضمانات المدنية منها ما يتعلق بالتسوية ما بين المحرر الإلكتروني والورقي في الإثبات، زد على ذلك التوقيع الإلكتروني المؤمن عليه()، خاصة إذا كان المتعاقدان منضوين تحت إشراف ومراقبة الجهة الوسيطة التي تتولى تسيير خدمات المصادقة الإلكترونية()، وأخرى الجنائية وذلك من خلال توقيع العقوبات السالبة للحرية والغرامات المالية في حق كل من قد تسول له نفسه خرق هذه المقتضيات القانونية المتعلقة بالضمانات الممنوحة للمتعاقد بشأن التوقيع الإلكتروني والمصادقة عليه والتشفير، فضلا عن التدابير التي قد تقي الملتزم من كل انتهاك في هذا الشأن، زد على ذلك، الإجراءات الواجب اتخاذها من قبل السلطة الوطنية المختصة لمعاينة المخالفات المرتكبة في هذا المجال، طبقا لفصول الباب الثالث " العقوبات والتدابير الوقائية ومعاينة المخالفات " من القسم الثاني المتعلق بالنظام القانوني المطبق على التوقيع الإلكتروني المؤمن والتشفير والمصادقة الإلكترونية من القانون رقم 53.05.
ومما ينبغي الإشارة إليه في هذا الشأن، هو أنه بالرغم من إصدار المشرع لهذا القانون تحقيقا لهذه الحاجات المعنوية في نفس الفرد، وتنصيصه على الضمانات المدنية والجنائية التي أشرنا إليها، إلا أنه أقد أقصى كل ما يتعلق بمدونة الأسرة والضمانات الشخصية والعينية من إمكانية التعاقد بشأنها بشكل إلكتروني، مراعاة منه لدرجة أهمية هاتين المسألتين بالنسبة للمتعاقد، خاصة الضمانات الشخصية والعينية في ظل خطورة الجرائم الإلكترونية والانتهاكات التي قد تؤدي إلى إهدار حقوق الدائن، وهذا يجلي لنا مدى تأثر المشرع المغربي عند فرضه لهذه الطريقة في الالتزام لمتطلبات الملتزم، وما تأثره بهذه المطالب المعنوية إلا عن تأثير التطورات التكنولوجية في هذا المجال.
غير أنه إذا أمكن الأخذ بهذا الطرح، فإنه يبقى حبيس الوضعية الراهنة، فالمسألة مسألة وقت فقط، فسرعان ما ستظهر وسائل حديثة في المجال الإلكتروني أكثر أمنا ستدفع المشرع للتدخل بإلحاق كل ما يتعلق بمدونة الأسرة والضمانات الشخصية والعينية إلى نطاق تطبيق هذا القانون ()، وما إجازته لهذا المقتضى إلا دليل على أن الوضعية القانونية للعقود المبرمة بطريقة إلكترونية قد أصبحت أكثر أمنا للالتزام بهذه الطريقة.
المطلب الثاني: تأثير العامل المعنوي على الالتزام في المعاملات العقارية
( بيع العقار في طور الإنجاز كنموذج ):
في إطار الإصلاح الذي تشهده المنظومة التشريعية المغربية، يعتبر قطاع العقار من أهم القطاعات التي شملها هذا الإصلاح، فكلل تبعا لذلك، بإصدار جملة من القوانين العقارية الخاصة، من بينها ظهير 3 أكتوبر 2002 بمثابة قانون رقم 44.00 المتعلق ببيع العقار في طور الإنجاز
().La Vente d’immeuble en état future d’achèvement
وإذا كان إصدار هذا القانون قد جاء من أجل إصلاح المنظومة القانونية للعقار في المغرب، فقد تحكمت في هذا الإصلاح عوامل اقتصادية واجتماعية ()، وهنا يقبع العنصر المعنوي في تأثيره على الالتزام، فكان لزاما أن نبحث هذا التأثير على المستويين الاجتماعي (الفقرة الأولى) والاقتصادي (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: على المستوى الاجتماعي:
يشكل السكن، إلى جانب العمل، النقل والترفيه، إحدى الوظائف الحيوية في كل من المجالين الحضري والقروي()، وفي إطار المخاض الكبير الذي عاشه هذا القطاع، أدى إلى حدوث أزمة على مستواه ().
فعدم توفر الفرد على سكن لائق يصون كرامته، يؤثر بطريقة مباشرة على نفسيته، فتقل معها مردوديته في أداء وظائفه اليومية، لذلك، جاء القانون رقم 44.00 ليستجيب لهذا المطلب المعنوي الملح الذي ظهرت آثاره على أرض الواقع من خلال دور السكن العشوائية وغير اللائقة، وذلك بتنصيصه على جملة من الضمانات، من إمكانية تقييد العقد الابتدائي المبرم في محرر رسمي أو ثابت التاريخ في السجلات العقارية، تيسير عملية أداء الثمن على شكل أقساط تباعا لتقدم أشغال، وذلك مراعاة للمقدرة المالية للمشتري، فضلا عن ضرورة إنشاء ضمانة بنكية أو تأمين لفائدة هذا الأخير لاسترجاع أقساطه في حالة عدم تمكن البائع من تطبيق العقد.
الفقرة الثانية: على المستوى الاقتصادي:
لقد أصبح للعقار قيمة اقتصادية كبيرة تقدر بمبالغ طائلة من الأموال، باعتباره الأرضية الصلبة لإنشاء المشروعات الهادفة، لأجل ذلك، فإن أغلب المستثمرين يسارعون إلى استثمار مدخراتهم في هذا القطاع، لما يدره الاستثمار في هذا المجال من ربح وفير.
ومما لا ينبغي إهمال ذكره في هذا الشأن، هو أن الاستثمار في هذا القطاع، يتطلب توفر ذمة مالية مليئة، والتي لا توجد لدى أغلب المستثمرين، فيلجأ المستثمر إلى الاقتراض من مؤسسات الائتمان كمصدر لتمويل مشروعه التي تأتي أرباحها من الفائدة التي تفرضها على المقترض، زد على ذلك الأرباح التي تجنيها مؤسسات التأمين في حالة إنشاء المستثمر تأمينات لصالح المستفيدين من أجل ضمان استرجاعهم لأقساطهم المدفوعة عند شرائهم للعقار وهو في طور الإنجاز تحوطا من عدم تمكن البائع من تطبيق العقد().
وأمام إمكانية تداول هذه الثروات استعدادا لكل من المستثمر، المستفيد، البنك ومؤسسة التأمين للالتزام، جاء قانون رقم 44.00 للاستجابة لمجمل هذه المطالب المعنوية التي كان مصدرها، الوضعية الاقتصادية الحديثة للعقار.
خاتمة:
ومما يمكن أن يتأسس انطلاقا من السالف ذكره، هو أن العامل المعنوي لا يقتصر على تلك المطالب الناجمة عن الإرادة فقط، بل كذلك عن كل ما يدخل في الجانب الحسي غير الملموس لذات الشخص الملتزم من كرامة ونزاهة وثقة وأخلاق، أي كل ما يعتبر من الأدبيات.
وأثناء دراستنا لهذا الموضوع، جعلنا نطرح السؤال لماذا؟ ونجيب عليه، فلماذا ينيب المتعاقد الأصلي الغير للتعاقد مكانه؟ قد لا تكون ظروفه الشخصية تسمح له بالتعاقد بنفسه، فينيب غيره، لكن لماذا ينيب شخصا محددا ولا ينيب أحدا آخر، مما يمكن معه القول بأن إنابته لشخص بحد ذاته، ما هو إلا ناجم عن تلك الثقة التي يضعها فيه، ويمكن أن نلمس هذا العامل المعنوي في الالتزامات التضامنية، لماذا لم يعمم المشرع المغربي عدم افتراض التضامن بين المدينين على كل من الالتزامات المدنية والتجارية، وقصرها فقط على المدنية؟ فذلك راجع إلى حماية الثقة والائتمان الذي يعد ركيزة العمل التجاري، ولماذا ينيب الطبيب زميلا له أو طالبا لديه في إطار عقد النيابة بين الأطباء؟ فهذا كذلك راجع إلى الثقة التي يضعها الطبيب في زميله والطالب، ولماذا يحظر المشرع أن يكون السبب والمحل والشرط مخالفا للآداب والأخلاق الحميدة؟ فذلك راجع إلى ما يمكن أن يمس الجانب المعنوي للملتزم من ضرر فيخدش حياءه، إلى غير ذلك من الأسئلة.
وبإجابتنا على هذه الأسئلة جعلنا نقف عند أصل وحقيقة مصدر المقتضيات القانونية المنظمة للالتزام، مما يسوغ معه القول بأن هذا الموضوع يدخل في فلسفة القانون التي تعتبر فرعا من فروع الإبستيمولوجيا.
لائحة المراجع:
الكتب:
عبد القادر العرعاري، مصادر الالتزامات، الكتاب الأول، نظرية العقد، الطبعة الثالثة 2013، مطبعة دار الأمان الرباط.
عبد القادر العرعاري، مصادر الالتزامات، الكتاب الثاني، المسؤولية المدنية، الطبعة الثالثة 2014، مطبعة دار الأمان، الرباط.
عبد الرحمان الشرقاوي، القانون المدني، دراسة حديثة للنظرية العامة للالتزام على ضوء تأثيرها بالمفاهيم الجديدة للقانون الاقتصادي، الكتاب الأول، الجزء الأول التصرف القانوني، الطبعة الثالثة 2015.
عبد الرحمان الشرقاوي، القانون المدني، دراسة حديثة للنظرية العامة للالتزام على ضوء تأثيرها بالمفاهيم الجديدة للقانون الاقتصادي، الكتاب الأول، الجزء الثاني، الواقعة القانونية، الطبعة الأولى 2015.
الفصايلي الطيب، النظرية العامة للالتزام، الجزء الأول مصادر الالتزام، نشر البديع، الطبعة الثانية 1997.
المختار بن أحمد عطار، النظرية العامة للالتزامات في ضوء القانون المغربي، مطبعة النجاح الجديدة الدا البيضاء، 2011.
عبد الحق صافي، القانون المدني، الجزء الأول المصدر الإرادي للالتزامات، العقد، الكتاب الأول تكوين العقد، مطبعة دار النجاح الجديدة، 2000.
عبد الحق صافي، بيع العقار في طور الإنجاز، شرح وتحليل لنصوص القانون رقم 44.00، الطبعة الأولى، 2011.
نزهة الخلدي، الموجز في النظرية العامة للالتزامات، مصادر الالتزام الكتاب الأول، مطبعة تطوان، الطبعة الثانية 2014
عبد الكريم شهبون، الشافي في شرح قانون الالتزامات، آثار الالتزام، مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء، الطبعة الأولى 1999.
الأستاذ عبد السلام أحمد فيغو، الوجيز في أحكام الالتزام في قانون الالتزامات و العقود المغربي، مطبعة المعاريف الجديدة الرباط.
نورة غزلان الشنيوي، الوجيز في العقود التجارية، دراسة على المقتضيات التشريعية والممارسة العملية، مطبعة الورود، إنزكان، الطبعة الأولى، 2014.
محمد إبراهيم أبو الهيجاء، عقود التجارة الإلكترونية ( العقد الإلكتروني- إثبات العقد الإلكتروني- حماية المستهلكين- وسائل الدفع الإلكترونية- المنازعات العقدية وغير العقدية، الحكومة الإلكترونية- القانون الواجب التطبيق )، دار الثقافة للنشر والتوزيع، الأردن، الطبعة الثانية، 2011.
جميلة العماري، الوجيز في عقد البيع، دراسة على ضوء قانون رقم 53.05 المتعلق بتبادل المعطيات بشكل إلكتروني و قانون رقم 44.00 المتعلق ببيع العقار في طور الإنجاز، سليكي أخوين، طنجة، 2013.
العربي جنان، التعاقد الإلكتروني في القانون المغربي ( دراسة مقارنة ) ، في إطار سلسلة التنظيم القانوني للمعلوميات والإنترنيت، المطبعة والوراقة الوطنية، الداوديات- مراكش، الطبعة الأولى، 2010.
ادريس النوازلي، حماية عقود التجارة الإلكترونية في القانون المغربي، دراسة مقارنة، المطبعة والوراقة الوطنية، الطبعة الأولى، 2010.
ادريس الفاخوري، الحقوق العينية وفق القانون 39.08، منشورات مجلة الحقوق، سلسلة المعارف القانونية والقضائية، الإصدار الثاني عشر، دار النشر المعرفة، مطبعة المعارف الجديدة، طبعة 2014.
-Stéphany Porchy – Simon, Droit civil 2ème année, Les obligations, cours et travaux dirigés,
Dalloz, 8ème édition, 2014.
Rémy Cabrillac, Droit des obligations, Dalloz, 9ème édition, 2010.-
David – André Camous, L’essentiel du droit de l’urbanisme, Fiches de cours et- exercices corrigés, Edition Ellipses, 2007
الأطروحات و الرسائل:
بشرى النية، العقد المبرم بطريقة إلكترونية، أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص، جامعة محمد الخامس، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية أكدال، الرباط، السنة الجامعية 2011-2012.
خالد الفكاني، نظرة الميسرة، رسالة د.د.ع.م، جامعة محمد الخامس أكدال، كلية العلوم القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية الرباط، السنة الجامعية 2007- 2006.
الندوات:
عبد المجيد غميجة، عرض مقدم في اللقاء الدولي حول "الأمن التعاقدي و تحديات التنمية"، الصخيرات 18 و19 أبريل .2014
المحاضرات:
عبد الحكيم الحكماوي، دروس مطبوعة في مادة علم الإجرام ملقاة على طلبة السداسية السادسة، شعبة القانون الخاص، تخصص القانون الخاص، بجامعة محمد الخامس، الرباط، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية - سلا،
السنة الدراسية 2014-2015