samedi 13 janvier 2018

قطاع العدل مكانة خاصة لدى جلالة الملك

يحتل قطاع العدل مكانة خاصة لدى جلالة الملك الذي يولـــــــــيه عنايته السامية،و أكد جلالته مرارا عزمه على مواصلة إصلاح القضاء ليستجيب لمتطلبات العدل و التنمية باعتبار أن دولة الحق و المؤسسات لا يمــــــكن ترسيخ دعائمها و تقوية أسسها إلا بوجود قضاء عادل و نزيه يقــــــــــوم بالدور المنوط به على أحسن وجه.
و نظرا لما يكتنف مفهوم العدالة مــــــن غموض،إذ تضــــاربت الآراء و الأطروحات و وجهات النظر بخصوصه،حيث أعطاها البعض بعدا سياسيا تهدف إلى حماية الحريات السياسية و الحقوق الطبيعية. بينما أعطــــــاها البعض الآخر بعدا إقتصاديا باعتبارها تسعى إلى التوزيع العـــــــــــــــــادل للثروات،في حين ربطها آخرون بالدور الذي تقوم به في محاربة الجريمة و حماية المجتمع.
و في خضم هذا الزخم من التعريفات المتنوعة للعدالة،قدم جلالة الملك إقتراحا آخر و مفهوما جديدا للعدالة،هذا المفهوم الذي لم يأتي من فــراغ أو عدم، وإنما كمرحلة متقدمة و ناضجة لمسلسل إصلاحي نهجته البــلاد بطريقة جديدة و جدية منذ إعتلال جلالة الملك لعرش أسلافه المياميــــــن.
و قد كشف جلالته عن هذا المفهوم في خطابه السامي بمناسبة افتتــــاح الدورة الأولى من السنة الرابعة من الولاية التشريعية الثامنة و الذي هــو " القضاء في خدمة المواطن ". حيث أوضح جلالته بهذا الخصوص أنه <<و على غرار مبادرتنا للمفهوم الجديد للسلطة الهادف لحسن تدبيــــــــر الشأن العام فقد قررنا أن نؤسس لمفهوم جديد لإصلاح العدالة ألا و هـــــو "القضاء في خدمة المواطن">>
كما أكد أن السلطة القضائية بقدر ما هي مستقلـــة عـــــن الجهـــــــازين التشريعي و التنفيذي ،فإنها جزئ لا يتجزأ من سلطة المملكة،وسيـــــــادة قوانينها،و حماية حقوق التزامات المواطنة.
و ألح جلالة الملك في هذا الصدد على << أن حسن تنفيذ مخططنــــــــا للأصلاح العميق و الشامل لمنظومة العدالة،لا ينحصر فقط في عمـــــــــل الحكومة و البرلمان ، إنما هو رهين،أساسا ،بالأداء المسؤول للقضاة >>
كما أضاف أنه <<تجسيدا لعزمنا الراسخ على توطيد سلطة الدولة علــى دعائم سيادة القانون،وسمو القضاء الفعال،فإننا نؤكد على أن المفهـــــوم الجديد للسلطة الذي أطلقناه في خطابنا المؤسس له بالدار البيضاء فـــــي أكتوبر 1999 يظل ساري المفعول >>
و في ذات السياق قال وزير العدل السيد محمد الطيب الناصري يوم 11 أكتوبر 2010 أن مفهوم القضاء في خدمة المواطن الذي أعلن عنـــــــه جلالة الملك محمد السادس يكرس في الواقع البعد الإجتماعي للقضــــــاء باعتباره الساهر على سيادة القانون و الضامن لحماية حقوق و التزامات المواطنة،و كذا العامل الفعال للإسهام في تحقيق التنمية.
كما أوضح السيد وزير العدل في كلمة ألقاها بمناسبة التوقيع علــــــــى إتفاقية ثلاثية الأطراف(1)تتعلق ب"برنامج دعم تطبيق مدونة الأسرة من خلال تطوير ولوج النساء إلى خدمات العدالة" أنه تنفيذا للتوجيهــــــــات الملكية السامية فإن مفهوم "القضاء في خدمة المواطن" هو منطـــــــلق برنامجنا و عليه تتمحور مخططاتنا، و إليه ترمي أهدافنا ،و نعمل فــــــي وزارة العدل على تحقيقه على أرض الواقع من خلال إجراءات ملموســـة، و خطط مضبوطة.مضيفا أن الخطاب الملكي السامي المذكور يشكل دفعـــة قوية ،جديدة لإصلاح العدالة ينضاف إلى توجيهات جلالـــــته المتعلقـــــــة بالإصلاح الشامل و العميق لمنظومة العدالة الذي أعلن عنه في الخطاب التارخي ليوم 20 غشت 2009
و في ذات المنحى صرحت السيدة نزهة الصقلـــــي وزيرة التنميـــــــــــة الإجتماعية و الأسرة و التضامن بمناسبة التوقيع على على الإتفاقيـــــــــة المذكورة بأن مفهوم القضاء في خدمة المواطن الذي أعلنه جلالة المـلك يعتبر إشارة قوية للأهمية القصوى التي تكتسيها العدالة في مسار بنــــاء دولة الحق و القانون ،مضيفة أن المفهوم الجديد هذا يساهم في تعزيـــــز مشروع بناء مجتع حداثي و ديموقراطي،و تقوة دينامية إحترام حقــــــوق الإنسان.
و بالرجوع إلى الخطاب الملكي المؤسس للمفهوم الجديد لإصــــــــــلاح القضاء سنجده يؤسس هذا المفهوم على مرتكزات و دعائم أساسية تشكل الأهداف المتوخات من تبنيه. و التي إعتبرها الأستاذ سعيد بورمان(2)قــد جاءت لتحل محل ممارسات سلبية كانت سائدة،في محاولة لتجاوز الواقع الذي نعيشه و تعقيداته.
هذه الأهداف التي حددها جلالته حين قال بأن الهدف المتوخى من جعــل
القضاء في خدمة المواطن هو <<قيام عدالة متميزة بقربها مـــــــــــن المتقاضين،و ببساطة مساطرها و سرعتها،ونزاهة أحكامها ،و حداثة هياكلها،و كفاءة و تجرد قضاتها،و تحفيزها للتنمية،و التزامها بسيادة القانون في إحقاق الحقوق و رفع المظالم >>.
و إغناءا لهذا الموضوع سنتناول هذه الأهداف المسطرة أعلاه بنوع من التفصيل مخصصين لكل هدف فقرة منفردة
أولا: عدالة قريبة من المتقاضين
إن الحديث عن عدالة متميزة بقربها من المتقاضين لا يعني فقط إعطائها أبعادا مكانية محضة فحسب،أي جعل العدالة -كمؤسسة- قريبة من التجمع السكني للمواطنين تيسيرا لهم للولـــوج لخدماتها،و رفع العسر و المشقـة التي يتسبب فيه بعد المحاكم عنهم.
فبالإضافة لهذه القيمة المضافة التي أتى بها المشرع مؤخــــــــــــرا(3)و ماتحمله من مزايا تقريب الإدارة من المواطنين، فقرب العدالة المنصوص عليها في الخطاب الملكي السامي تعني كذلك –و بالضرورة- تعزيز مكانة المواطن و الرفع من قيمته، و الإيمان بأنه العنصر الهدف من إنشاء هــذه المؤسسات،و المستحق من الخدمات أجودها وأرقاها. و لأجله يجـــــب أن ينبني ذلك لدى مقدم الخدمة هاتة على واجب مهني قائم على النظـــــــــــم و القوانين،و على واجب أخلاقي مبعثه الشرف و الضمير.و لــــــــيس أن يعتبـــر واجبه هذا صدقة يجود بها على من يشاء،و يحرمها ممن يشــاء، و كأنـــه السيد و المواطن ليس إلا مجرد عبد !!
و بالتالي وجب نهج حسن الإستماع لهؤلاء المواطنين، و تعريفــــهـــم بمختلف الخدمات المتوفرة،و إرشادهم نحو قضاء مآربهم بمرونــــــــــة ويسر(4)
كما يجب من ناحية أخرى إعادة النظر في بعض المهام وذلك بتقليــص عدد المتدخلين في القضية الواحدة،إذ لا يعقل تدخل عدة أشخاص فــــــي قضية قد يكفي فيها شخصين على الأكثر.
والأخذ بما سلف لا ينبغي له أن يكون موسميا أو مؤقتا(5)، وإنمــــــا أن يظل مستمرا و قائما، بل و أن يعتبر منهجا عمليا،و نظاما واجب التطبيق يحمل على ذات الأساليب التي تصرف به الأشغال اليومية.
و تجدر الإشارة إلى أن و وزارة العدل قد اتخذت قرار إحالة ملفــــــــات الأرشيف بمحاكم المملكة إلى المراكز الجهوية للحفظ،فعلى مستـــــــــــوى الدائرة القضائية لإستئنافية ورزازات فالأعمال جارية من أجل إحالـــــــــة ملفات الأرشيف إلى المركز الجهوي مراكش-أكادير المتواجد بمدينــــــــة مراكش.و ما يثيره ذلك من تخوفات لدى المواطنين قاطني هذه الــــــدائرة القضائية،إذ تتطرح عدة تساؤلات حول الكيفية و المدة الزمنية التـــــــــي ستحال بها و فيها الملفات المطلوبة من طرف المحكمة لضروريتهــــــا أو لإرتباطها بملفات رائجة كملفات الغرفة المتعلقة بإدماج العقوبات الــــــتي تتطلب توفر الملفين موضوع العقوبتين المطلوب إدماجهما حيث نـــــــرى المحكمة تطلب ضم الملفين للبث في الطلب.وكل ذلك و ما يثيرة من إشكال إستجابة المركز لطلبات إرسال الملفات بالسرعة المطلوبة،والحال أنــــــه يستقبل ملفات ثلاث دوائر قضائية!؟
ثانيا: عدالة ذات مساطر بسيطة و سريعة
لقد أمست بساطة المساطر القضائية ضرورة ملحة حتى يكون بالإمكــان الدفع بعجلة الفصل في القضايا الطروحة على المحاكم نحو السرعــــــــة المطلوبة،إذ أن بساطة المساطر و السرعة في البث في النزاعات القائمة أمران متلازمان.
و لن تتمتع المساطر القضائية بالبساطة إلا حين يتم التقليــــــل مـــــــــن التعقيدات الشكلية التي يعتمد عليها في كثير من الأحيان على حســــــــاب المضمون الذي يكون سليما،فبعض هذه الجزئيات الشكلية قد تجعل مــــن المواطن يعود إلى النقطة الصفر ليببدأ مشواره من جديد و التــــــخوف لا يزال ينتابه إن كان قد صادف صواب الإجراءات الشكلية،أم أنه سيسقط
في براثين الإغفال من جديد!!
و قد نصادف نوعا آخر من التعقيدات حين نجد أن توقيع وثيقة كشــهادة التسليم من لدن شخص بعينه دون غيره إن تم التسليم مثلا داخل جـــدران المحكمة الواحدة.أو رفض أحد الموظفين تلقي تصريح بالتــــــــــعرض أو الإستئناف أو النقض بذريعة أن زميله بذات المكتب فلان هو المكـــــــــلف بذلك!مع أن الصلاحية قد تمنح لكليهما ما داما يتمتعان بصفة كاتــــــــــب الضبط(6).
و يرى ذ/ سعيد بورمان بهذا الخصوص في المجلس الأعلى (محكمــــــة النقض حاليا) مثال في تعقيدات وشكليات عريضة النقض ،مما يسوجــــب معه ضرورة خلق ثقافة قضائية جديدة تعتمد على بساطة المساطر، وذلك بجرد جوانب التعقيد سواء فيما يخص اللوجيستيك هل هو يستجيـــــــــــب للغرض الذي وجد من أجله، أو الوثائق والمطبوعات من حيت الشكــــــــل والمضمون،ثم بعد ذلك الكشف عن المساطر المعقدة لنصل إلى التحليـــــل باعتماد أفكار ملائمة مع تهييء البدائل والحلول أكثر فاعلية، وتحديـــــــد كيفية التتبع والمراقبة وإدخال التصحيحات ومن سيقوم بهــــا، وكـــل ذلك بهدف تيسير الحياة اليومية للمواطنين وتحسين علاقتهم مع القضاء مـــن جهة، وتسهيل نشاط المقاولة وتمكينها مــن المشاركة في التنميـــــــــــــة الاقتصادية من جهة أخرى، لأن تعقيد المساطر والإجراءات الطويلــــــــة والمتشعبة والآجال الممتدة تنشأ عنه حالات تنازعية بين القضــــــــــــاء والمواطنين وتكثر الشكايات والاحتجاجات والبحث عن البدائل، وبالتـــالي عرقلة نمو المقاولة وضعف الإنتاجية(7).
و على غرار الحديث عن بساطة المساطر القضائية،نقول أن السرعـــــة هي الأخرى متطبة في كافة مراحل الدعوى حتى نتمكن من إيصــــــــــــال الحقوق لذويها في الوقت المناسب من جهة،ولتدعيم أسس ثقة هؤلاء في الجسم القضائي من جهة ثانية،لأنه ليس من الإنصاف أن يركن مسلوبــوا الحقوق إلى الصمت و الإستسلام و التجرع من كأس الصبر على ما ضاع
منهم لمجرد يقينهم أن القضاء لن يزيد الطين إلا بلة،أو أنه في أحسن الأحوال لن يرد من الحقوق أكثر مما ضاع منها.
فالسرعة إذن شرط أساسي في المشروع الإصلاحي بمفهومه الجــــديد، والتي يجب أن تكون بدءا بمرحلة إعداد القضايا أي عدم إهمالهـــــــــــــا و التماطل في تسجيلها بالسجلات المعدة خصيصا لذلك بغية إحالتها إلــــى أقرب جلسة مقبلة،مرورا بإجراءات التبليغ إذ يجب إيصال الإستدعـــاءات لإصحابها داخل الآجال القانونية تفاديا لتأخير الملفات لذات السبب المتمثل في إعادة الإستدعاء لعدم التوصل كما أن المسؤولية تظل أيضا على عاتق الخبراء لأن الفصل في العديد من القضايا يبقى رهين تقاريرهم التــــــــــي كلفتهم به المحكمة.
دون أن ننسى طبعا دور القضاة و المستشارين في تحرير الأحكام فـــــي أوقاتها إذ أن نقطة تنفيذها تبدأ لحظة كون الحكم أو القرار محــــــــــــررا. و مرحلة التنفيذ تبقى أهم مرحلة إطلاقا لأن إنعدام التنفيذ أو التماطل فيـــه ـ و كما قال الملك الراحل الحسن الثاني رحمة الله عليه ـ يجر المرئ إلـــى تفكير آخر و هو إنحلال الدولة.(8)
ثالثا: عدالة ذات أحكام نزيهة
لقد سبقت الإشارة إلى إلى أن موضوع إستقلال السلطة القضائيـــــــة قد إستأثر بالقدر الهام و الأكبر من اهتمام المعنيين بالإصلاح القضـــائي،هذه الإستقلالية التي وإن كرسها الدستور الجديد ضمن مواده،فإن نـــــــــزاهة الأحكام تعد الحصن الحصين لها،والتفعيل لها أيضا على أرض الـــــــواقع.
و نزاهة الأحكام تقتضي من قضاة الحكم ،وهم ينظرون في القضــــــــايا و الدعاوى المعروضة أمامهم الإعتماد على أسس واقعية متفقة مع ما هو منصوص عليه قانونا،دون أيـة قيــــــود،أو تــــــأثيرات،أو تهـــــديدات،أو إغراءات،أو ضغوطات مباشرة و غير مباشرة.
و يجب أن يظل مبعث ما أشرنا إليه أعلاه هو الرقابة الإلهية بالــــــدرجة الأولى، أي الخوف منه سبحانه و تعالى،ثم استحضار مبادئ الشـــــــــرف
و الضميرين الأخلاقي و المهني.وذلك قبل أتخاذ أي قرار من شأنــــــــــه المساس و لو بجزء يسير من حقوق المتقاضين الذين جــعلوا مصائـرهم، و مصائر عائلاتهم بين أيديهم.
فنزاهة الأحكام إذن تعد القلب النابض للجسم القضائي السليم،و هي الـــــحجر الأساس لمجتمع ديموقراطي قائم على آليات و ضوابط قانونية معتمــدة عــلــى سيادة الحق و القانون،كما انها من الأسباب الداعية إلى قوة الدولة العصـريــة و مناعتها . و المساهمة بشكل فعال في التنمية و الإزدهار، و تكريس الأمــــن و الإستقرا،و تنمية و الرقي بشخصية الفرد داخل محيـــطه الإجـتماعــــي،لأن القضاء العادل النزيه يكفل ضمان إحترام الذات الإنسانية،وحفظ التوازن بيــن مــختـــلف مكونات المجتمع،كما أن القضاة النزهاء هم النبراس المضــــــيء أمـــام الفســـــاد و المفسدين.
رابعا: عدالة ذات هياكل حديثة
لقد أراد جلالته تبسيط العلاقات بين الناس والمؤسسات القضائية فــي ظــل المتغيرات الضرورية، على أن تكون فاعلة ومؤثرة، وأراد تجاوز الــهياكــــل القضائية وتراكيبها التي حالت حتى الآن دون قيام بناء قانوني يعزز الهياكــل القانونية ورفع مستوى الأداء والجودة والخدمات القانونية والقضائية، ورغم الترسانة القانونية فإن آليات تطبيقها غير متوفرة بالشكل الكافي لغياب الوسائل التكنولوجية والإلكترونية التي تساعد على تحديث العمل الــقضائـي، ناهيك عن عدم وجود الأطر المؤهلة والمتخصصة تقوم بعمليات مــدققة لهــا علاقة بقوانين فنية وتقنية تتطلب وفرة المعلومات في مجـــــــال التـــجــــارة والأعمال والمالية والاستثمار(9)
خامسا: كفاءة القضاة و تجردهم
إن الحديث عن هذا المطلب يستدعي منا التطرق إلى نقطتين أولاهما كفاءة
القضاة،و الثانية لتجردهم اثناء مزاولتهم لمهامهم.
فبالنسبة للنقطة الأولى،فنرى أن الكفاءة الواجب توفرها في القـــاضــــي تستلزم أساسا متينا يتمثل في الإنتقاء الموفق للفئة التي ستتحمل جسامــة هذه المسؤولية التي ستلقى على عاتقهـم،و المتفهمة للرسالة التي يسـعى القضاء إلى تبيلغها،و الدور الواجب القيام به.
و في اعتقادنا المتواضع فالعمل داخل المؤسسة القضائية كقاض لــيــس بالأمر الهين أو اليسير،لما يتطلبه ذلك من حنكة و تجربةوممــــارســــــــة عملية،إلى جانب المعرفة العلمية النظرية،و لا نظن أن السنتين الــتــــــــي يقضيها الملحقين القضائيين الأحرار في التمرين كافية لجعلهم جاهزيـــــن بالشكل الكافي لتحمل أعباء مهنتهم الجديدة.و مــــــــن و جب إعادة النظر فـــــي هذه المدة الممنوحة لهذه الفئة،مع إعطاء الفرصة للعاملين داخــــل الفضــاء القضائي للولوج لمهنة القضاء بشروط تفضيلية، ككتــــــــــــاب الضبــــــــــــــــط، و المحامين،و المفوضين القضائيين،و العدول شريطة توفرهم علـــــــــــى الشواهد المطلوبة قانونا،و تجربة ميدانية لا تقــــــــل عشر سنوات(10).
وعليه يجب إعادة النظر في القانون المنظم لمبارة الملحقن القضائييــــن أخذا بعين الإعتبار ماسلف، إلى جانب شروطا أخرى كالسن المقترحــــــة و عدد المرات الممسموح بها لإجتياز هذه المباراة.
و الكفاءة تنبني على أسس و معايير يمكن إجمالها في القدرات المهنيــة و اللغوية و التنظيمية التي يتمتع بها القاضي ،والطريقة التي يتبعها فـــي تصريف الأشغال الموكولة إليه،و كذا المدة التي تقضيها القضايا بين يديه.
ثم جودة التعليلات التي يعطيها للأحكام و القرارات التي يتخذها،و بعدهــــا القدرة الإنتاجية التي يتمتع بها مقارنة بزملائه في العمل و ما يبذل فــــــي سبيل ذلك من جهد و عطاء.
و جدير بالذكر أن السلوك الشخصي للقاضي، و انضباطه و تعامله مـــن الغير و مظهره الخارجي (11)كلها دعائم لا تقل أهمية،ولها أثر فعال فـــــي
بناء شخصية القاضي التي يجب لها،و عليها أن تفرض كل الإحتـــــــــرام و التقدير.
و لنا أيضا في المساهمات العلمية من مؤلفات و المشاركة في النـــدوات معيارا آخر لقياس كفاءة القضاة،و ما يساهم فيه ذلك من نشر الثقـــــــافة القانونية بأسلوب يجمع بين النظري و العلمي،عكس ما تقدمه لنــــــــــــا الدراسات الأكاديمية المحضة ـ و نحن لا ننكر أهمية هذه الدراســــــــات ـ
التي تركز على الجانب النظري و حسب.
و فيما يخص النقطة الثانية المتعلقة بالتجرد،فيمكن القول أنها تنبنــــــي الحياد و عدم انحياز القاضي و هو ينظر فيما يعرض أمامه من قضايا إلى فرد أو جماعة أو تيار معينين.
و التجرد في الواقع ليس إلا المرآة العاكسة لمبدأ اإستقلالية المفــــترض أن يتمتع بها الجهاز القضائي و المكرسة قانونا بمواد الدستور الجديـــــد، و التي تستوجب عدم الخضوع لأي مؤثرات كيفما كانت،و الإعتماد فقــــط على ما وصل إليه الوجدان الداخلي و القناعة الشخصية للقاضي و المبنية طبعا على الأسس الواقعية و القانونية للنازلة.
ولتفعيل مبدأ التجرد هذا لابد من تحقيق الضمانات الأساسية لذلك كــعدم جعل التنقيلات التعسفية،و الإجراءات الإنتقامية المؤثرة على الترقيـــــات و عدم الإستجابة لطلبات الإنتقال الشخصية متى توفرت شروطهــــــــــــا، و كــــــذا إرهاق القاضي بكــــــثرة التوضيحات عن قضــاياه، مطرقة فوق رأسه تهـــــدده على و جه الدوام.
سادسا: عدالة محفزة للتنمية
يعرف مفهوم التنمية عدة تعاريف و مصطلحات يتدخل فيها مـــــا هــــو إجتماعي و اقتصادي ،بما هو سلوكي و حقوقي.غير أنه يمكن أن نعطيها تعريفا إجمليا يجعل منها مشروعا تنمويا تنهجه الدولة لمواجـــــــــــــــهة الوضعيات السياسية و الإقتصادية و الإجتماعية للنهوض بها إلى مـــا هو أفضـــــــل و أكبر.و قد اتسع هذا المفهوم ليكتسي طابع الديمومة ليســـمى فيما بـــــــــعد بالتنمية المستدامة و التي تعني تحقيق الشروط المثاليــــــة لأجل خــلق ثروة إقتصادية هامة قصد توزيعها فيما بعد بشكل عادل يسمح فـــــي ذات الآن بالحفاظ على الموارد الطبيعية و استعمالها دون اســـراف أو تبذير قصـــــد محاربة الفقر و التهميش الإجتماعيين.
فقبل أن يقول جلالة الملك بضرورة تحفيز العدالة بمفهوم الإصــــــــلاح القضائي الجديد للتنمية،فقد ربطها سابقا بهذه التنمية إذ صرح فـــــــــــي الخطاب الذي ألقاه سنة 2002 بمناسبة افتتاح دورة المجلس الأعلـــــى للقضاء بأن <<الأهمية القصوى التي نوليها لإصلاح القضاء و تحديثــــه و تأهيله للإسهام الفــــعال في المشروع المجتمعي الديموقراطـــــــــــــي الحداثي>>.كما أكد جلالتــــــه في ذات الخطاب أن العاملين في قطاع العدل أنفسهم يتحملون مسؤولية إصـــــلاح جهاز العدالة الذي يتوقف عليــــــه كسب رهــان الديموقراطيـــة و التنمــــية.
و لا يخفى ما للقضاء من دور مهم و مؤثر في التنمية لتدخله في مختلف مناحي الحياة الفردية و الإجتماعية،ونظرا لكون هذه النقطة تعد في حــــد ذاتها موضوعا مستقلا لا يسع هذا المطلب الإلمام بكل جوابه،فيكفينــــــــا التطرق إلى بعض جوانب التنمية التي يتدخل فيها القضاء،إذ يقال بأن مــا لا يدرك كله لا يترك جله.
فالتنمية تتطلب شروطا أساسية أولها وأهمها السلم الإجتماعي الـــــــذي يجب أن يطبع كل مقومات الدولة حتى نتمكن من النهوض و الرقي بــــها، هذا السلم الإجتماعي الذي لا يمكن أن يكرس إلا بوجود مؤسسة قضـــائية قوية و نزيهة، لأن بقاء النزاعات قائمة،و انشار الظلم مــــن شأنـــــــــــه تشــــجيع الإضطراب داخل المجتمع و سيادة ثقافة الإنتقام و أخذ الثــــــأر الشخصــي أو القبلي.
كما أن الجانب الإقتصادي له علاقة بالقضاءما دام أن الأخير يسعى إلــى حماية الطرف الضعيف في العلاقات الإقتصادية،و قوة العدل طريق إلـــــى جلب الإستثمارين الوطني و الأجنبي.
و لا تخفى أيضا أهمية القضاء و دوره في حماية لأسرة باعتبارها النواة الأساسية للمجتمع،والخلية الأولـــــى للتمنية سواء كانت الأسرة تـــوصف بكونها منتجة للقيم الإجتماعية،أو بوصفها فاعل إقتصادي فـــي الإنتـــــاج و الإستهلاك و الإدخار...إلخ
و عموما يمكن القول أنه كلما انتقص من استقلال القضاء وقوته فان حقوق الأفراد والهيئات تكون مهددةوبالتالي فان الشعب يكون متخلفاً عن ركب الحضارة، والقضاء المستقل عن السلطتــينالتــشريعية والتنفيذية هو الضمانة لجميع أفراد المجتمع وهيئاته.
إذن لا يمكن أن نتصور تنمية وحضارة بدون قضاء عادل وقــوي ومستقل. وكم أعجبني كلام كسرى حين قال: لاملكبدون جند، ولا جند إلا بالمال، ولا مال إلا بالرعية، ولارعية إلا بالعدل.
سابعا: عدالة ملتزمة بسيادة القانون في إحقاق الحقوق و رفع المظالم
و هذا يعني أن الفصل في المنازعات قصد رفع الظلم و إرجاع الحقوق إلى أهلها يجب أن يقوم على القانون المـدون،لا علـــى مجرد الأعـــراف و التقاليــــد.
ولا يخفى أن القانون يجب أن يصدر عن سلطة تشريعية منتخبة من طرف الشعب عن طريق انتخابات حرة ونزيهة،و يبقى الهدف من وراء إقرار القوانين ـ كما هو معلوم ـ هو محاربة الفوضى و الإستبداد،و لأجــــــل استتباب الأمن و الإستقرار.
و لسيادة القانون يجب الأخذ بعين الإعتبار المعايير الخمس التاليــــة:
1ـ إعمال مبدأ <<لا مخالفة إلا بالقانون >>
2ـ نشر القانون بالجــــريدة الرسمية حتي تصبح أحكــــامه سارية عــــلى الجميع.و بالتالي نجـــد في هـذا الخصـــــوص إعمال القاعــدة القـــانونية المشهورة " لا يعذر أحد بجهله للقانون " ما دام أن هذا النشر يعد بمثابة إعلان بصدور القانون و افتراض علم الجميع به.
3ـ عدم الحكم على أي شخص دون إجراء قانوني سليم،و في محــــــاكمة علنية أمام جهاز قضائي مستقل.
4ـ مساواة جميع المواطنين أمام القانون.
5ـ صدور قانون عن مشرع منتخب في انتخابات نزيهة عامة و سريــــــة نابعة عن إرادة الشعب.
و عن السؤال المطروح بخصوص مقومات العدالة القادرة على تثبيــــث مبدأ سيــــاد القانون يجيب ذ/ سعيد بورمان(12)علـــى ذلك بثلاث قــــواعد أساسية و جوهرية كمايلي :
ـ القاعدة الأولى: وجوب إصدار الأحكام وفق قواعـــــــد قانونية صــــادرة عــن السلطة التشريعية.
ـ القاعدة الثانية: عدم التدخل لدى القضاة،أو تعديل أحكامـــهم من طـــرف إحدى السلطتين التشريعية و التنفيذية.
ـ القاعدة الثالثة: إحترام حقوق الدفاع،و العمل بقاعدة " المتهم بـــــــرئ حتى تثبت إدانته".
(1) المتمثلة في وزارتي العدل و التنمية الإجتماعية و الأسرة و التضامن، و صندوق الأمم المتحدة الإنمائي للمرأة لشمال إفريقيا
(2)رئيس المكتب الجهوي للمفوضين القضائيين بمحكمة الإستئناف بالدار البيضاء. مقال له بعنوان < كفى ... لنتصالح مع عدالتنا > منشور في جريدة الصباح بتاريخ 19 أكتوبر 2010
(3) ونقصد هنا مؤسسة قضاء القرب التي أتى بها التنظيم القضائي الجديد للمملكة،و التي يسعى المشرع من وراء إحداثها تفادي الإنتقادات الجمة الموجهة لمحاكم الجماعات و المقاطعات.
للإطلاع على وجهة نظر أستاذنا عبد الكريم الطالب بخصوص محاكم الجماعات و المقاطعات،راجع مؤلفه التنظيم القضائي المغربي طبعة يونيو 2006 ص 21_22
(4) و طبعا على القائم بهذا الواجب الإلتزام بالضوابط التي من شأنها جعله لا يتعدى مهامه و تبني مهمة الإستشارات القانونية التي تبقى من إختصاصات السادة المحامين.
راجع بخصوص هذا المادة 30 سيما الفقرة 5 من القانون رقم 28/08 المتعلق بتعديل القانون المنظم لمهنة المحاماة،الصادر بتفيذه الظهير الشريف رقم 1.08.101 بتاريخ 20 شوال 1429 الومافق ل 20 أكتوبر 2008
(5) كنهج وزارة العدل لسياسة الأيام المفتوحة مرة واحدة سنويا
(6) نلاحظ غير ما مرة قيام بعض أطر كتابة الضبط (منتدبين و محررين) عند ملئهم لبعض المطبوعات المتعلقة مثلا بمحاضر التنفيذ،أو المطبوعات الخاصة بتلقي بعض طرق الطعن يشطبون على كلمتي كاتب الضبط ليضع بدلها إطاره الذي ينتسب إليه.
و في اعتقادنا بهذا الخصوص أن صفة كاتب الضبط واجبة الإستعمال في كافة الأشغال التي يقوم بها موظف هيئة كتابة الضبط بغض النظر عن الإطار الذي ينتمي إليه، فالمسطرتان المدنية و الجنائية لم تخاطباه إلا بتلك الصفة .أما الإطار الإصلي فيتم التعامل به في المراسلات الإدارية الشخصية، وكذا في الندوات و المؤلفات بعد إذن الوزارة الوصية.
(7) المرجع السابق
(8)خطاب المغفور له الحسن الثاني بتاريخ31 مارس1982 بمناسبة اجتماعه بقضاة المملكة،ومن فقراته:" إن مسؤولية القاضي ليست أجسم من مسؤولية كاتب الضبط،ومسؤولية المحامي ليست أجسم من مسؤولية القاضي ،والتنفيذ أكبرالمسؤوليات.ذلك أن عدم التنفيذ يصل به الإنسان إلى استنتاجين: الأول: أن القضيةلم تأخذ بعين الاعتبار في الموضوع ولو حكم فيها، وأعتقد أن المحكوم له أو المحكومعليه ان هذا على صواب وهذا على خطأ فعدم التنفيذ والتماطل في التنفيذ يجر المرئ إلىتفكير آخر هو انحلال الدولة"
(9) ذ/ سعيد بورمان،المرجع السابق
(10) نعتقد أن هذه المدة المقترحة تعد الأنسب لما ستوفره من تجربة و ممارسة هامتين لتعدد المساطر و القوانين من جهة،و ما ستوفره من نضج في الملكات العقلية للشخصمن جهة ثانية.
فإن كانت من الناحية العملية هذه هي المدة المتطلبة في المنتدبين القضائيين (السلم 10) المرشحين لتقليد مناصب مسؤولية رئاسة مصلحة كتابة الضبط أو كتابة النيابة العامة،فتقليد مسؤولية القضاء أولى بذلك.
(11)و قد قيل بأن لباسك يرفعك قبل جلوسك،و علمك يرفعك بعد جلوسك

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire